الوارث والموروث سياسياً واجتماعياً

2016-02-20 07:32:52 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2153 times

مرور فصلٍ من الزمن واستقبال آخر ليس مجرد مرور عام أو أي جزءٍ من الوقت، كما لا يعني أننا سجلنا في دفتر الزمن وحدة جديدة من وحدات الآحاد وكفى، إن ما يمر ويتغير ليس هو العام وحسب، بل تتغير معه أشياء كثيرة، إن الوقت يمر ليعقبه وقتٌ من شاكلته، أما عند الانسان فإن التغيير قد لا يتقيد بجدول مرور الزمن فبينما يحدث البعض تغييراً في عقليته مواكب للزمن، تتجمد عقلية البعض الآخر في محطاتٍ زمنية بعيدة كل البعد عن واقع وزمان اليوم. لذلك فمرور الزمن لا يعني شيئاً عند من تجمدت أفكارهم، بالنسبة لهم لا فرق بين أمس واليوم وغداً. كل تجربة من التجارب تأخذ بقسطٍ من التغيير مهما كان ضئيلاً. فإذا أخذنا نموذج تجربة نضالنا السياسي في ارتريا من الطبيعي أن نجد فرقاً بين ما كان من أمرنا قبل الاستقلال واليوم، أما المقياس الذي نقيس به حجم التغيير بين الأمس واليوم فهو ترمومتر المصالح والحقوق والحريات التي كسبها الشعب الارتري، لابد أن نسجل كل نقطة تغيير تحدث أثناء المسيرة. أما إذا حاولنا أن نسير في عصر العولمة (globalization) بعقلية حقبة الحرب الباردة، أي قبل ثلث قرن تقريباً، فإننا لابد أن نصطدم بقطار التقدم العالمي والاقليمي الذي لن يتوانى في سحقنا تحت تروسه وعجلاته الأسرع من سرعة البرق. علي أن ذلك لا يعني أننا تحت ستار (المواكبة) يجوز لنا إهمال المدخلات (inputs) التي وفرتها لنا تجاربنا السالفة.

 

إننا في عصرٍ تـُــطرَح فيه بقوة مسألة توريث المسئولية القيادية للأجيال الحديثة مع أننا نادراً ما نتناول ذلك بالجدية المطلوبة. يمكن تلخيص هذه الإشكالية في عدم حسم ما الذي يمكن أن يتم توريثه وما الذي لا يمكن توريثه. وكل تناول لهذه الأمر يزيدنا قوةً ومضاءاً ولا يضرنا في شيء. ومهما تعالت وتباينت أصوات الخلاف في تحديد الوارث والموروث لن يكون الضرر من ذلك أشد من ضرر السكوت عليها. وهذا بالضبط ما يحدث في مسيرتنا النضالية من حين لآخر. بعض الاتجاهات المحافظة تحبط حيوية جيل الشباب وتثبط هممه في الاستعداد لوراثة الأجيال التي علي وشك التقاعد الإجباري، وذلك لأنها تريد منه أن يتقبل ويهضم الكتلة التاريخية والنضالية للماضي بلا أي مناقشة أو اعتراض باعتبارها بطولات وأمجاد تاريخية مبرأة من كل عيبٍ أو نقصان. ويقف علي الضد من هذا الاتجاه اتجاه التطرف الشبابي الذي ينبذ كل تجربة الماضي ويرمي بها الي المزبلة ويصنع تجربته العصرية الحديثة دون الاستعانة والاسترشاد بأي شيء يمت للماضي بصلة. لكن التطرف والتشبث بأقصى درجات التباين لا يساعد علي التوفيق بين الأطراف. اليوم ومهما كانت درجة التباين فإن هناك بوادر أمل لجمع كل أوراق التناقض علي مائدة حوار وطني عام.

 

يجب أن ندرك أننا ما لم نتدارك أمر تبايننا وبون اختلافاتنا الشاسع فإن الضرر من ذلك لن يقتصر علي المجال السياسي فحسب، بل سوف يتعداه الي المجال الاجتماعي أيضاً. عندما يتجادل اثنان حول الأخذ بحرفية التراث أو الماضي وعدم جواز ذلك، نجد القائل بعدم جواز الأخذ بحرفية التراث يستشهد بما يدل عليه تقادم العهد بالتراث واستفادة المجتمعات المعاصرة من مخرجات العصر، وأنه قد بات الحال أفضل من ذي قبل بالنسبة للتوافق بين المجتمعات والآراء المتنافرة. لذا تساءل أحد المتحاورين في استغراب يا ترى ما الذي كان من الممكن حدوثه إذا تمسك القديم بقديمه ولم يواكب العصر؟! من ثم أثمر حوار المتحاورين الي تحديد موضوعات الوراثة، أي ما يمكن أن يورث مما يصلح لمواكبة العصر وما لا يمكنه ذلك من القضايا والآراء.

 

بوجود الرغبة والاستعداد لن يستحيل الوصول الي تقارب المتباعدين في الرأي والفهم، وكل أمر لا تتوفر له الرغبة والاستعداد لن يكون إلا جدالاً كيدياً لاستهلاك الوقت بلا طائل. عند الحديث عن تجربة معسكر المعارضة كلنا يدرك أن الأمر الذي لا جدال فيه هنا هو محدودية الإمكانات في جميع المجالات. لكن عند تحديد المشكلات في هذا الصدد فإن مشكلة محدودية الإمكانات لا تأتي في المقدمة. إن مشكلتنا الأولى تتلخص في عدم الرغبة والاستعداد للعمل بالمتاح من تلك الإمكانات المحدودة. لذلك يجب أن نستعد جميعاً لسد هذه الثغرة، تنظيماتٍ كنا، أحزاباً سياسية أو منظمات مدنية. ولو كنا قد حققنا الشفافية والثقة بيننا لما صعب علينا تجاوز تحدياتنا رغم محدودية إمكاناتنا. ذلك أن القدرات لا تكتسب في الوقوف حيث نحن من غير تقدم في الوسائل والمفاهيم. يجب أن يتعاون الشباب الوارث وقدامى المحاربين في تسهيل عملية التوريث لا أن يتبادلوا الاتهامات ورمي المسئولية عن تخلف العمل الوطني علي بعضهم البعض. 

 

التوارث أو عملية التسليم والتسلم بين الأجيال لا تتم بين يوم وليلة أو بمجرد إعلانه عبر اجتماع أو اجتماعين، كما لا يوجد خط سميك يفصل بين الماضي والحاضر، لكن كما أثبتت التجارب فإن ذلك يحدث عبر عملية تفاعلية طويلة وعبر أناس أوفياء يهبون حياتهم لذلك العمل. بل يمر الأمر بتدرج تتزايد فيه فرص اقتراب الأجيال الحديثة من المسئولية السياسية مع تزايد فرص ابتعاد الأجيال القديمة عن مسرح العمل السياسي تدريجياً، بينما كلا الفريقين يلعبان دورهما في تعجيل التغيير أو الإبطاء به. أيضاً من الطبيعي أن يقف الجيل المحافظ عقبةً أمام حيوية الدماء الحارة للشباب واندفاعهم بشكلٍ أقرب الي الإعصار والجنون. لكن ليس من الطبيعي التخلص الفج والتعامل الفظ مع من عركته الحياة بدلاً عن الاستفادة من تجاربه والتعامل معه التعامل اللائق. إذ في ظروف كهذه لا يجب أن ينعت الجيل الأكبر بالنعوت غير اللائقة. قبل التقدُّم الي استلام الموروثات يجب أن يتأكد الوارث من أهليته للاستلام ويتفحص أدواته المادية والمعنوية بل والمواكبة للعصر.

 

 

إن الوراثة، وراثة القديم للجديد، الشيخ للشاب، أمرٌ حتمي، وليس أمراً ينتظر فيه الشباب أن يضع الشيوخ علي رؤوسهم تيجان المسئولية طوعاً واختياراً. ذلك أن أمر التوريث والمواصلة علي القديم أمر يقتضي الأهلية والإنجاز وليس التطلع الي ذلك بالأمنيات الحالمة ولا بطرق الأبواب الخطأ. بل قد يصادفك التمنع والدلال حتى وأنت تطرق الأبواب غير الخطأ. والحل إذاً يكمن في الإصرار علي مواصلة المشوار حتى الانتصار وليس بالتراجع القهقرى والسير في الدروب الملتوية والانغماس في متاهة الحلول المبتسرة. وحتى ما يتداول اليوم علي جميع المستويات في معسكر المعارضة من أن تمسك قدامى السياسيين والمحاربين بكراسي السلطة السياسية قد نفر الشباب من النضال، ليس بالأمر المستعصي علي خوض الشباب معركة تغيير تلك العقلية غير المواكبة، واستلام الموروث بجدارة النضال واستحقاق العمل الدءوب. وهذا ما يجعل من كلمتي النضال والتطبيق العملي مدلولين ذا مغزىً واحد. وهذه ليست مسئولية الورثة فقط، بل يستدعي الأمر مشاركة الموروث أيضاً في تحمل مسئولية إجراء ذلك التغيير الذاتي والموضوعي. أما التملص من المسئولية وإلقائها علي الآخرين فلن يعفي الشباب ولا المجتمع بأسره من المسئولية عن أي خراب يلحق بالمجتمع جراء التقاعس عن التصحيح والتغيير. هذا لا يعني أن دور الآخرين في هذه المسئولية غير قابل للتصويب والتناول علي الإطلاق. وكل تقاعس عن تحمل مسئولية الخطأ أو تصويبه سيـُــودى بحياة الجميع محافظين ومجددين.    

                                                                            

Last modified on Saturday, 20 February 2016 08:44