ارتريا: تنظيماتها وشهداؤها

2016-04-07 18:16:50 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 3167 times

تاريخ ارتريا وشعبها تاريخ حقب نضالية صامدة ومشرِّفة. وهذا لم يفرضه الشعب الارتري بل فرضته عليه الحقب الاستعمارية المتتالية عليه. ولأنه لم يكن شعباً متعطشاً للدماء اختار أن يبدأ نضالاته سلماً ما أمكنه ذلك. لكن المستعمرين وأعوانهم استغلوا صبر الشعب الارتري وحاولوا استخدام العنف معه، ولحرص المستعمرين علي الاحتفاظ بارتريا لموقعها الاستراتيجي لم يلق المستعمرون بالاً لرفض وتمرد الشعب علي بقائهم في دياره. وبالتالي وُضِــع شعبنا بين خيارين أحلاهما مر، إما الاستسلام وإما النضال بأعلى وأقوى ما يملك لنيل الاستقلال وطرد المستعمر، فاختار الخيار الأخير وأعلن ثورته التحررية المسلحة في 1961م. بالطبع عند اتخاذ قرار النضال كان ينقص شعبنا الكثير، ذاتياً وموضوعياً، مادياً ومعنوياً...الخ.

 

عوامل النقص والقصور التي صاحبت الانطلاقة لا شك كثيرة، لكن كان أهمها: الميول الاستحواذية وحب السيطرة علي الآخرين، انعكاسات الخلافات السابقة لانطلاق الثورة، الميول الطائفية أو الدينية الضيقة، ما كان يحبكه المستعمرون من مؤامرات لإجهاض الثورة في مهدها، الاستنساخ الحرفي لتجارب الثورات التحررية في البلدان الأخرى...الخ. ونتج عن تلك العيوب أن ساد في أوساط القائمين علي أمر الثورة الرؤية الأحادية لكل شيء، فإذا كان النضال لهدف واحد هو تحرير وطن واحد يجب أن لا يكون في الساحة الارترية أكثر من تنظيم يحمل السلاح. واستمرت الخلافات والنزعات والميولات المختلفة وتنامت الي هذا القدر أو ذاك فسادَ بدل رؤية التنظيم الواحد التعدد فتعددت التنظيمات ورأى الكل ضرورة فرض نفسه وتصفية الآخر فاندلعت حروب أهلية مريرة. وخلقت تلك الحروب فجوة بين الارتريين الذين كان يجمعهم الهدف الواحد، هدف التحرير. ومع كل المرارات التي خلفتها الحروب الأهلية لم يكفر تنظيم من تنظيمات الثورة بهدف الاستقلال فينضم للعدو مثلاً، بل ظل الكل علي اختلاف وجهات النظر وفياً لقضية الاستقلال التام لارتريا. وزاد النضال طولاً ومرارة لكنه لم يجهض أو تذهب تضحياته وبطولاته سدىً. وارتكبت التنظيمات ضد بعضها البعض أمرَّ وأشنع الجرائم وشتمت بعضها بأقذع الشتائم عدا الوصف الاستعماري للثورة ( الشفتة ) أو قطاع الطرق، ولم يتجرأ لا تنظيم ولا فرد علي النيل من الشهداء والاستخفاف بتضحياتهم والقول بأنها راحت هباءاً.

 

لقد حزن الشعب الارتري علي ما اندلع بين أبنائه ثوار الاستقلال من قتال أهلي، ومحاولاته للصلح بينهم وإن لم تنجح فإنها تحتل مكاناً كبيراً في سجل تاريخ الثورة من أجل الاستقلال. ومهما تعاظمت الضغوط علي الشعب لأن ينحاز لهذا أو ذاك الطرف وأن يصنف أو يشتم هذا لحساب ذاك لم يصف الشعب تنظيماً بعينه ب( الشفتة ). بل كان ديدنه التعامل الموحد مع كل الفصائل، وكذا الحال في التعامل مع قضية الشهداء، فاحترم أبناءه الشهداء أينما كانوا سياسياً أو تنظيمياً ولم يبخس تضحياتهم. المجتمع العالمي بدوره أشاد بصمود الثورة الارترية ومدح قدراتها العالية وتضحياتها الجبارة وعبر عن أسمى آيات إعجابه بها وتقديره لها.

 

بغض النظر عن عناصر قوة أو ضعف الثورة الارترية إلا أن هدفها لم يكن تحرير الأرض فقط من العدو المحتل، بل كانت تحلم بتحرير الانسان أيضاً من الجهل بحقوقه الوطنية والإنسانية. وبالفعل تحقق الشق الأول من هدفه في تحرير الأرض في مايو 1991م ونالت البلاد استقلالها رسمياً في مايو 1993م عبر الاستفتاء المعترف به دولياً. وكانت تلك الثمرة الأولى من استحقاقات دماء الشهداء التي لم تــُــرَقْ هدراً. لكن الشق المتبقي من هدف التحرير الذي هو تحرير الشعب وتمكينه من حكم نفسه بنفسه، فقد أعاقت سيره الطغمة العسكرية الدكتاتورية الحاكمة، طغمة حزب الهقدف، لذلك كان حتماً علي الارتريين مواصلة نضالهم لتحقيق الشق الثاني المكمل للاستقلال، حيث لا دولة ولا أرض بلا شعب، ولا شعب بلا حرية وسيادة قانون.

 

اليوم يعيش شعب ارتريا أسوأ الأحوال والظروف، إنه يتعرض للقمع والغدر من قبل نظام الطغمة الدكتاتورية الحاكمة. ومع وضوح هذه الحقيقة للكل فإن محاولة البعض تبرئة النظام بادعاء أن السبب وراء شقاء الشعب اليوم إنما يعود الي تلك الحقب من الحرب التحررية وما بذل من دماء غزيرة وتضحيات غالية، إن تلك المحاولة الدنيئة أمر مرفوض وعارٍ تماماً من الصحة. لذا يجب التصدي الحازم لتلك الأصوات النشاز المنطلقة من أغراض ونزعات أنانية ضيقة والتي تصف نضال شعبها بالشفتنة وتضحيات شهدائه بالمهدورة. لذلك فإن حزبنا يؤمن بأن كل ما خاضه الشعب الارتري من أجل أرضه وحقوقه السيادية من نضال وما قدمه من تضحيات قبل التحرير أو بعده والي اليوم ما زال يتمتع لدينا بمكانة عالية يجب الحفاظ عليها جيلاً بعد جيل. وما لم نعجل بذلك اليوم فلن يكون المصير القادم لقيمنا الوطنية بأفضل من الحالي.                

Last modified on Thursday, 07 April 2016 20:20