لابد من انسياب الرؤية من القمة الي القاعدة

2016-02-27 21:36:41 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2712 times

"لكي يعرف الشعب الارتري ما يصلحه و ما لا يصلحه ومن ثم ليناضل، لابد له من التوعية والتنظيم" شعار قديم متجدد ظللنا نردده من أزمان سحيقة. نعني بالتنظيم أو التأطير خلق مؤسسة أو إطار أو جسم سياسي يضم في سلكه الأشخاص المحددين المناضلين من أجل قضية معروفة محددة الملامح، والتنظيم وسيلة لتحقيق هدفٍ ما وليس هدفاً في حد ذاته، كما أن من المعلوم سلفاً فإن ما تختطه التنظيمات من سياسات وما تتخذه من مواقف لا يعني في المقام الأول إلا عضوية التنظيم المعني ولا يلزم المواطنين الآخرين خارج إطاره، هذا لا يعني أن عامة الشعب خارج التنظيم لا يـُــعـْــنـَـى أو يتأثر بسياسات ومواقف التنظيم، لذا من العجز والتقصير السياسي أن لا يهتم التنظيم بشؤون الشعب الذي يناضل من أجله ولا يسعى الي ترسيخ مبادئه وبرامجه السياسية في أوساط الشعب. كما أن عملية تمتين وبناء التنظيم وتثقيف العضو عملية مستمرة ومواكبة لا تتوقف. كذلك علي أي تنظيم ألا يتجاهل أن تفويض الشعب لأي تنظيم يوهب من قبل الشعب ولا ينتزع عبر القوة الجبرية كما تفعل بعض القوى أو التنظيمات السياسية. أما سعي التنظيم الي إقناع الشعب بمبادئه فأمر مسموح به لا يعترض عليه أحد.

 

التنظيم أو التأطـُّــر قوة. ولا يتحول التنظيم أو التأطير الي قوة إلا إذا كان يحمل مبادئ تراعي مشاعر الشعب وترعى مصالحه، أما السياسات والمبادئ الانطوائية الضيقة غير المنحازة للشعب فلن تزيد التنظيم إلا بعداً وعزلةً عن الشعب. لذلك فإن مبادئ تنظيم بعينه أو اتفاقات مشتركة بين أكثر من تنظيم لابد لها من النزول الي قواعد الشعب لتحظى عنده بالقبول أو تنال منه الرفض. وكل مبادئ أو اتفاقات تظل عالقة علي المستويات التنظيمية الأعلى ولا تنزل الي المستويات الشعبية الدنيا ستظل عالقةً في الهواء لا تجلب أية مصلحة للتنظيم. علي أن الإنزال للقواعد ليس مجرد عمل آلي، بل يجب أن يكون عملاً مركباً ومفيداً يتمثل في استلام رد الشعب وانطباعاته عن ما ينزل اليه من معلومات وتعاليم ومن ثم إدخال رد فعل الشعب في الاعتبار للتحسين والتعديل في السياسات والبرامج السياسية المقبلة حسب رؤية ورغبة الشعب. وحتى عندما يدَّعي التنظيم أو الحزب أن برنامجه يمثل حتى من هم خارجه من أفراد وقطاعات الشعب فالذي يحكم له بقبول ذلك أو رفضه هو الشعب.

 

إن ما يعطي تنظيماً أو حزباً القبول الشعبي هو ما يطرحه من رؤى وأهداف سياسية، إن التنظيم الذي يلتزم بالتطبيق الموضوعي لبرامجه وسط عضويته لكفيلٌ بأن يحظى بقبول الشعب ويحوز علي إعجاب كل من هو خارجه، وكل تنظيم أو حزب خرِبْ من الداخل لا يمكن أن يتوقع الحصول علي رضا الآخرين خارجه. في مسرح نضالنا من أجل الديمقراطية والعدالة قد يظهر اختلاف علي معايير منح لقب التنظيم أو الاعتراف بتنظيمية ذلك التنظيم. إن دور التنظيم في ذلك العمل أو المسرح النضالي هو الذي يحدد ما إذا كان التنظيم تنظيماً أم مجرد مجموعة عددية من البشر، أم تنظيماً سياسياً أم منظمة أو جمعية مدنية.

 

للتنظيمات بينها وبين بعضها البعض سياسات تتفق أو تختلف عليها، وهذا الاختلاف والتعدد ما ظلَّ معترفاً بحق التعدد السياسي يعتبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية علينا مراعاته والاعتراف به وحسن إدارته. ذلك أن التنظيمات يمكنها العمل معاً فيما تتفق عليه وعرض ما تختلف عليه علي الفيصل بينها الشعب الذي هو المرجعية الأخيرة. وكل رؤية تجد أكبر عدد من المناصرين تكون هي صاحبة السيادة لأنها فازت برضا الشعب، وعلي المغلوب في المنافسة الحرة بين البرامج أن يعترف ويقبل بالنتيجة بكل ثقة وسرور، علي أن يكون حق الإدلاء بالرأي الموافق أو المخالف محفوظاً. هذا بالطبع من الناحية النظرية أمرٌ سهل، لكن أثبتت التجارب أنه ليس سهلاً من الناحية التطبيقية، إلا أنه مهما كان ذلك شاقاً فلا بديل سياسي أفضل منه، فسياسة تسليم المهزوم سياسياً بهزيمته والتمتع بحق إبداء الرأي مع الانصياع لرأي الأغلبية أفضل من خوض أي مغامرات عسكرية أو مدنية غير مأمونة النتائج ناهيك عن تكلفتها المادية والبشرية الثقيلة.

 

ماضينا كان ولا يزال يحمل مبدأ أن كل شيء للمنتصر ولا شيء ولا مكان للمهزوم. وهذا لم يقتصر علي ما نعيشه اليوم فحسب، بل يمتد الي حقبة الأربعينيات والثورة التحررية، إن التحدِّي المعيق الماثل أمامنا هو قدرتنا علي النجاح في إدارة اختلافنا وتنوعنا وتعددنا.، فبإصرارنا علي سياسة المنتصر والمهزوم والقاتل والمقتول خسرنا ولا زلنا الكثير. ولا يوجد حتى الآن ما يوحي بأننا قد تعافينا من هذا الداء القاتل، فكل مبادراتنا بدلاً من أن تكون إيجابية جامعة تكون علي العكس سلبية مفرِّقة، إننا في غمرة نشوة الانتصار المحدود ذي الطرف الواحد والمائل الذي نحققه منفردين مقصين زميلنا في الهم والعمل قد يغرينا بعض الشيء، لكن يجب أن نعلم أن ما نحققه منفردين كان سوف يصير أكبر وأجمل وأقوى إذا كنا حققناه بكتلة متحدة من المجهودات المتعددة الألوان. فالعمل والمجهود الفردي معروف بالمحدودية وقلة الكفاءة وقـِــصـَـــر النفـَـس.

 

عند تأسيس المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي قال حزب الشعب الديمقراطي الارتري: "إننا نرى خللاً في التحضير للمؤتمر أو الملتقى الجامع، وما لم نعالج هذا الخلل، سوف نضيع الوقت في غير طائل، لذا فلنجلس لنعالج الخلل بهدوء ولا نبخل بوقتنا علي المعالجة"، لكن رفاقنا أصحاب الدعوة بحجة ضيق الوقت رفضوا دعوتنا، لذا ومنذ ذلك اليوم وحتى الوقت الراهن أُشـْــهـِــرَتْ في وجه حزبنا الكثير من السيوف. بل عرض علينا الانضمام غير المشروط للاستظلال بمظلة المجلس المقام دون مشاركتنا فيه، وأنه لا يحق لنا المطالبة بتكوين مظلة ائتلافية جديدة، لكننا لم نذهل من ذلك التصرف ونفقد البوصلة، ومن أقصونا وساروا متباهين بنصرهم المؤقت لم يصلوا الي مبتغاهم كما ينبغي، لكن تطرقنا اليوم الي ذلك ليس للشماتة والتشفي والتباهي بصحة تنبؤاتنا بل لاستخلاص العبر والدروس.

 

 

اليوم في لقاءاتنا الرسمية وغير الرسمية عندما نتناقش مع أصحاب الهم الارتري حول الوضع المقلق لمعسكر المعارضة الوطنية، غالباً ما نتفق علي أن الحاجة الي إقامة مظلة وطنية نضالية جامعة ما تزال ماسة، علي أن تكون مظلتنا هذه جديدة، متعظة بدروس سابقاتها، مبنية علي نقاط الاتفاق، الكل مشارك في تأسيسها لا اللحاق بها وهي مؤسسة قائمة، الكل يشعر بالانتماء اليها وأنها بعيدة عن الحسابات والفخاخ السياسية، واضعين في الاعتبار رغبات شعبنا ومحدودية إمكاناتنا والظروف المحيطة بنا وما تتطلبه من تغيير نحو الأفضل. قد نختلف في الرغبات، لكن الرغبات المختلفة إذا اتفقت علي ضرورة مراعاة المسئولية الوطنية والظروف السائدة لن يستحيل الجمع بينها علي أدنى أو أعلي ما يمكن الاتفاق عليه، أما التقوقع علي الرغبات الذاتية فقط دون الالتفات الي العوامل الموضوعية والظروف السائدة فلن يؤدِّي الي شيء سوى الرهق والخسارة.

 

نحن في معسكر المعارضة العاملة في المنفى لم نعد قادرين علي التفاهم وتبادل الرأي مع شعبنا الذي هو صاحب النصيب الأوفر من أسهم التغيير الديمقراطي الذي نسعى اليه ونتبنى قضيته. لكننا لا شك لا يزال يجمعنا بشعبنا الرغبة والمصلحة في النضال ضد الدكتاتورية القمعية الغاشمة. وإذا لم تجمعنا قاعة لقاء واحدة يجب أن نتابع ونتواصل معاً عبر مختلف الوسائل لنقرأ أفكار ورغبات بعضنا البعض. ومن وسائل ذلك أن كل اتفاقٍ وائتلافٍ بيننا يجب أن يضع في اعتباره لهفة شعبنا للوصول الي التلاقي بين مكونات المعارضة داخلاً وخارجاً، سياسياً ومدنياً، وحراكنا وإن كان ليس بالضرورة مباشراً وفي ملتقىً مكانيٍّ وزمانيٍّ واحد إلا أن خطواتنا في ذلك الحراك ليست بخافية علي شعبنا فهو مراقب حصيف. إن كل سبيل لا يقود الي الشعب وتلبية رغباته، يعتبر سبيلاً أخرق لا يؤدِّي الي النجاة ولا النجاح مهما ادَّعى ذلك نظرياً واستعرض عضلات البلاغة الخطابية والكتابية.

Last modified on Saturday, 27 February 2016 22:40