العملية الانتقالية وتحدياتها

2016-01-30 23:15:17 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2340 times

يقول خبراء في السياسة والاقتصاد: إن إرساء ورسوخ الديمقراطية يتطلب بالدرجة الأولى قاعدة تنموية اقتصادية صلبة، بمعنى آخر، حسب هؤلاء، فإن التنمية الاقتصادية هي الرحم الذي تولد منه الديمقراطية. ويدعم هذه الفرضية النمو الاقتصادي الكبير في البلدان الديمقراطية الكبرى، لكن عندما نتأمل الوجه الآخر لهذه الافتراض نجد دولاً مزدهرة اقتصادياً كالسعودية والصين تخلو من أي قدرٍ من الديمقراطية، الأمر الذي يجعلنا نبحث عن عوامل أخرى الي جانب النمو الاقتصادي تسند هذا القول.


خبراء آخرون يقولون العكس، يرون أن الدينمو المحرك للديمقراطية يكمن في الفقر والأزمات الاقتصادية الحادة، وبإمكانهم بالطبع إحصاء الأدلة والنماذج الدالة علي ذلك.

 

الأزمات الاقتصادية والمجاعة والفقر الناتج من الحروب تسببت في استنهاض انتفاضات شعبية أدَّت في النهاية الي إسقاط نظام هيلي سلاسي الملكي في اثيوبيا، وبما أن الجيش كان وقتها القوة الوحيدة المنظمة في البلاد استلم العسكر السلطة عبر مجلس ضباط انقلابهم العسكري المعروف اختصاراً ب"الدَّرْق".

 

في 1997م اضطرت الأزمات الاقتصادية في آسيا، إندونيسيا علي سبيل المثال علي إجراء تعديلات سياسية واقتصادية علي نظامها. وفي امريكا الجنوبية أدت الأزمة الاقتصادية بالبرازيل في الثمانينيات الي تحول البلاد من نظام عسكري شمولي الي نظام ديمقراطي تعددي. أيضاً أدى تفاقم أزمة الديون بالمكسيك في 1982م الي أن تتجه البلاد نحو النظام الديمقراطي. في الشرق الأوسط تسبب غلاء المعيشة في اندلاع انتفاضات شعبية عارمة أودت بالأنظمة الحاكمة الواحد تلك الآخر، والأمر هنا يتطلب المزيد من المتابعة وإلقاء الأضواء علي نتائجه في تقلب أطواره وأنظمته الحاكمة السابقة والحالية.

 

أيضاً أدت الأزمات الاقتصادية التي اجتاحت بلدان المعسكر الاشتراكي في نهاية الثمانينيات الي اضطرابات سياسية وشعبية حولت دفة الأنظمة الدكتاتورية في أوربا الشرقية الي الاتجاه غرباً نحو الديمقراطية. بعد انهيار جدار برلين تحولت العديد من بلدان أوربا الشرقية وافريقيا وامريكا اللاتينية الي الديمقراطية. لكن الآن خفت حدة أو وتيرة ذلك الانتقال والتحول الديمقراطي.

 

 

ظل التحول السياسي في افريقيا صعباً ووعراً للغاية، وذلك لعناد حكامها وإصرارهم علي البقاء حكاماً مدى الحياة.

 

 

تفهـُّــماً منه لمخاوف الحكام الافارقة علي مستقبلهم السياسي والاقتصادي يحاول رجل الأعمال السوداني السيد/ محمد ابراهيم (مو. ابراهيم) تغيير هذه العقلية التشبثية لدى رجال السلك السياسي في افريقيا بالتحفيز المالي المجزي للرؤساء الذين يتقيدون بدساتيرهم ولا يختلقون الأعذار والحِــيـَــل لتجديد دوراتهم في حكم البلاد، وذلك بتخصيص جائزة مالية سخية تكفي متلقيها شرور التسول السياسي والاقتصادي فيما تبقى من حياته.

 

 

بالطبع ما يزال في افريقيا رؤساء مصرون علي الاستمرار قيد الحكم مدى الحياة، فبينما يحاول رؤساء كلٍّ من بورندي، رواندا ويوغندا إطالة عمرهم السياسي بالتعديلات والحيل الدستورية من حين لآخر يصر إسياس أفورقي رئيس بلادنا ارتريا علي الاستمرار حاكماً بأمره بلا دستور ولا قانون ولا حتى أعراف اجتماعية مرعية في كل بقاع الدنيا.

 

رؤساء العديد من دول افريقيا الفرانكفونية (الناطقة بالفرنسية) استمروا حاكمين حتى مماتهم، منهم: عمر بونغو (الجابون)، فلكس هوفت (ساحل العاج)، أياديما (توجو)، لانساني كونتي (غينيا)، وماعدا توجو فإن كل تلك البلدان غرقت بعد موت رؤسائها في مستنقع الاضطرابات السياسية الدائمة.  

      

للدعم الخارجي دورٌ هام في العملية الانتقالية، لذا فكل نضال يخاض من أجل التحول الديمقراطي يجب أن لا يعزل نفسه عن المجتمع الاقليمي والعالمي.

 

إن الديمقراطية التي حاول الامريكان شتلها في كلٍّ من أفغانستان والعراق بمعول الحرب لم تؤت ثمارها بعد، مما يعني أن التغيير الديمقراطي المفروض بإرادة عسكرية أجنبية لن يجدي نفعاً، وما انطبق علي مثالـَـيْ أفغانستان والعراق من فشل الديمقراطية المفروضة بالعنف العسكري الأجنبي ينطبق علي ارتريا اليوم.

 

من ناحية أخرى فإن الازدهار الاقتصادي في دول ديمقراطية كامريكا والبلدان الاوربية ودول دكتاتورية كالسعودية والصين في آنٍ معاً يدل أن لا صلة حتمية بين الديمقراطية والرخاء الاقتصادي. لكن الحرية لا توجد إلا في الدول الديمقراطية، إذ لا وجود لها البتة في الدول الدكتاتورية. لذا في كل الأحوال تعتبر الديمقراطية هي النظام الأفضل للحكم سواء كانت الدولة فقيرةً أم غنية.

 

 

عملية الانتقال من الدكتاتورية الي الديمقراطية لا شك تسير في طريق وعر وكثير المنعرجات، أيضاً تختلف العملية الانتقالية من بلد لآخر حسب الظروف والمواصفات وليست بالضرورة متطابقة الأوصاف في كل البلدان. وذلك حسب الآتي:

 

1/ الأزمة الاقتصادية قد تكون سبباً دافعاً لكلا الدكتاتورية والديمقراطية في تسيـُّــد المسرح السياسي، لكن من عوامل نجاح التحول الديمقراطي وجود طبقة وسطى قوية وواسعة الانتشار.

 

2/ يجب أن لا ننسى أن العملية الانتخابية مهما كانت ضئيلة الحجم وفقيرة الحظوظ والفرص تعتبر الباب المؤدي الي صرح العملية الديمقراطية. ذلك أن سماح النظام الحاكم للمعارضة بخوض الانتخابات يعني الاعتراف بها ومن ثم تقود الانتخابات البلاد الي الديمقراطية شيئاً فشيئاً. فالديمقراطية بالمكسيك بدأت بالتعديل الدستوري الذي أجراه الحزب الثوري الحاكم للسماح بتمثيل المعارضين في البرلمان، ثم أدت أزمة الديون في 1982م الي أن تتجه البلاد نحو النظام الديمقراطي الذي أسفر عن فوز ائتلاف المعارضة بالانتخابات.

 

3/ الاضطرابات السياسية العنفية أو المسلحة قد تسقط الدكتاتوريات لكنها غالباً ما لا تؤدي الي الديمقراطية، كما أن التاريخ يقف شاهداً علي أن كمية هائلة من حركات التمرد المسلح والمحاولات الانقلابية الفاشلة لم يحالفها الحظ في الاستيلاء علي السلطة، ليبيا واليمن مثالان ساطعان علي هذه التجارب العنفية التي لم تظفر بالحكم أو لم تستقر فيه.

 

علي العكس من ذلك فإن أسلوب التغيير غير العنيف يؤدِّي الي تحول ديمقراطي هادئ ومستقر، إن التغيير الذي يتحقق عبر أسلوب النضال السلمي يكون أفضل حظاً في الاستدامة والاستقرار، وذلك لأنه يوسع من حجم المشاركة الشعبية، ويعطي منظمات المجتمع المدني الفرص لتنتج وتبذل أكثر وأبدع، ومن أبرز النماذج والتجارب المشهورة في هذا الحقل:

 

أ/ تجربة نقابة التضامن البولندية وزعيمها الخالد/ ليخ فاليزا

 

ب/ المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا بقيادة نيلسون مانديلا

 

ج/ انتشار واتساع رقعة التظاهرات السلمية في إندونيسيا في 1997 و1998م أدى الي فوز القوى المعارضة بالانتخابات التي اضطر النظام الحاكم الي إجرائها في 1999م.

 

د/ التجربة التونسية السلمية الناجحة في استلام الحكم وإجراء الانتخابات والالتزام بنتائجها.

 

4/ تشجيع وتوسيع المشاركة: ما يجري من نضال أو نداء من أجل الحرية السياسية يجب أن يتمخض عن مردود إيجابي لدى الشعب اقتصادياً واجتماعياً. إن الحرية السياسية يجب أن تنعكس علي الشعب غذاءاً وكساءاً أيضاً، وإذا أراد النظام الديمقراطي السائد بعد التغيير أن يكسب عطف الشعب ومؤازرته فعليه أن يشعر الشعب بتغيير إيجابي حقيقي في حياته يعصمه من الحنين الي النظام الدكتاتوري الغابر. كما أسلفنا أنه كلما كانت هناك طبقة وسطى قوية وكبيرة الحجم كلما كان النظام الجديد أكثر شعبيةً واستقراراً. أما إذا انحدر مستوى معيشة الشعب وكبر حجم البطالة فإن من السهل علي الدكتاتوريين اختطاف العملية الانتقالية في منتصف الطريق وحرفها باتجاه الدكتاتورية عوضاً عن الديمقراطية.

 

5/ إرساء حكم القانون: عندما تأتي سلطة جديدة يتبادر الي ذهن كلٍّ منا سؤال بدهي، هل يؤيد تلك السلطة أم يعارضها؟ فإذا أرادت تلك السلطة كسب تأييد الشعب عليها أن تصون حقوق الشعب، وترسي قواعد سياسية واقتصادية عادلة تجد قبول الشعب. فإذا تأكد المواطن من أن تلك السلطة ذات مؤسسات قانونية وجماهيرية حقيقية تتفاني في خدمته فسوف يمنحها محض تأييده وخالص تعضيده. إن كان هناك نظام قانوني شفاف وفعال فسوف تتم السيطرة علي ظواهر الفساد والثراء المشبوه، وفي ظل ذلك النظام أيضاً تلعب وسائط الاعلام الحديثة دوراً مساعداً في كشف ومحاربة الفساد.

هناك أيضاً حاجة ماسة لوضع القوانين المنظـِّــمة للمنظمات المدنية وغير الحكومية. العمل علي إرساء حكم القانون بتقوية وتفعيل دور المحاكم، البرلمان، منظمات المجتمع المدني، يعتبر شرطاً ضرورياً للانتقال الديمقراطي الي الحكم الديمقراطي.

 

6/ تقاسم السلطة: تقسيم السلطة بين المركز والأقاليم له فوائد جمة، فهو يمنع احتكار السلطة من قبل الحكومة المركزية أو العاصمة. وكل حكم يقترب من الشعب هناك إمكانية أكبر لقابليته للمساءلة والمتابعة. لقد أدَّى إدخال الحكم اللا – مركزي في إندونيسيا الي حلول ملائمة للكثير من القضايا الشائكة كالمطالبة بالانفصال، علي أنه ما لم يتم التعامل مع الحكم اللا – مركزي بحذر، مبدءاً وتطبيقاً، فإنه قد ينحرف بالبلاد نحو التمزُّق والانفصال.

 

7/ دول الجوار يمكنها المساعدة علي إرساء الديمقراطية في البلد المعني والعكس أيضاً، فالجار الحسن بتقديمه للعون الاقتصادي والفني لقوى التغيير الديمقراطي يمكنه التأثير علي العملية الانتقالية تأثيراً إيجابياً. أما الجار السيئ فهو ذلك الذي لا يتعامل ولا يعمل إلا لمصلحته فقط دون أي اعتبار للمصالح المشتركة، لذلك فمثل هذا الجار الأناني تأثير سلبي معيق للعملية الديمقراطية بمختلف الوسائل.

 

 

كذلك يجب أن لا نغفل حقيقة أن العامل الخارجي في الانتقال السياسي لا يقتصر علي دول الجوار فحسب، بل يتعداه للعالم كالأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي وحلف الناتو والاقاليم المحيطة كالاتحاد الافريقي والإيغاد ومختلف التجمعات الاقليمية والدولية التي لها أدوارٌ كبيرة ومتفاوتة.

 

 

عند الحديث عن الانتقال نحو الديمقراطية في ارتريا يحاول نظام إسياس الدكتاتوري أن يتمترس وراء الحديث الزائف عن الازدهار الاقتصادي، أي بإظهار الديمقراطية عدواً للازدهار والدكتاتورية صديق، وأن الشعب الارتري بما أنه فقير وبلاده ذات إمكانات محدودة فإنه يفكر ببطنه لا بعقله، بالخبز لا بشيء غيره. إنه يقول إن الديمقراطية ليست بالضرورة انتخابات وتعددية حزبية. علي أن مبعث هذا التزييف للوعي هو رغبة الدكتاتور في العيش رئيساً للبلاد مدى الحياة.

 

من تحديات ومعيقات العملية الانتقالية أنها واقعة بين مطرقة الحكام الدكتاتوريين المتشبثين بمقاعد السلطة حتى الممات وسندان المعارضة الضعيفة أو الفاشلة في توفير الشروط الملائمة والأرضية الصلبة للمرحلة الانتقالية. هذا وتؤكد تجارب دول كثيرة أن ما يتمخض عن مثل هذه الأوضاع والانتقالات الهشة والشائهة من مآزق وتحديات قد يكون بئر التمزُّق السحيقة التي تهوي اليها البلاد.

 

 

لقد تعودنا في معسكر المعارضة أن نطرح ونردد شعارات براقة وعذبة المذاق مثل: إنقاذ الوطن فوق كل شيء، التغيير من أسفل الي أعلى، تغيير أساسي، الشعب صاحب السيادة والقرار...الخ، لكننا كثيراً ما سمعنا جعجعة تلك الشعارات ولم نرَ طحينها. وهذا يدل علي أحد أمرين، إما أن في فهمنا لعملية الانتقال تباين بين الواقع والمثال، وإما أن يكون ترديدنا لتلك الشعارات لمجرد الاستهلاك السياسي.

 

بوضعه العملية الانتقالية في القلب من جدول أعماله قد يكون ملتقى نيروبي التشاوري الذي دعت له منظمة (مدرخ) مؤخراً المعبر الآمن الي الخروج الي بر الأمان مما نعيشه من تخبـُّــط وتعرُّج طريقنا نحو الانتقال السلمي والسلس.                

           

      

Last modified on Sunday, 31 January 2016 00:31