لينصبَّ جهدُنا علي التغيير الفكري

2015-04-12 20:05:37 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2977 times

تعليق إخباري

 

31 / 3 / 2015م

في عملية النضال السياسي يكون الخيار الأساسي أمام الفرقاء هو البحث عن حل وسط أو قاسم مشترك يوفق بين الجميع ويحس فيه الكل بأنه كاسب ومنتصر. وكل ما كان أحد الطرفين أو كلاهما حريصاً علي اغتنام كل الحصاد لنفسه فلن يكون هناك منتصر بل سيكون الكل منهزماً. إن الوصول أو عدم الوصول الي القاسم المشترك لا يتحدد برغبة أحد الطرفين في غياب الآخر بل باستعداد وتهيؤ كلا الطرفين مادياً ومعنوياً. واليوم تعصف بعالمنا الصراعات بما في ذلك بلادنا ارتريا نتيجة لإصرار أحد أطراف الصراع علي أن يكون وحده الكاسب والآخرون تحت قبضته.

إن ما يجري في ارتريا من صراع واختلاف سببه نهج عدم الاعتراف بالآخر الذي انتهجه نظام الهقدف الدكتاتوري المتعجرف. إن طغمة الهقدف الحاكمة تحاول أن تغطي عدم اعترافها بوجود وشرعية تنظيمات المعارضة مرةً بالعمالة للوياني علي حد وصفها ومرة بالتدخل الغربي في شؤون ارتريا. لذلك أصبح لزاماً علي معسكر المعارضة أن يسقط النظام ويحل محله النظام الديمقراطي التعدُّدي.

إن المقلق الآن هو انتقال عدْوَى عدم الاعتراف بالآخر من النظام الي مكونات معسكر المعارضة كمرض مزمن. كلنا يعلم أن النظام لا يملك اليوم إلا تمادياً في سلوكه الأرعن، لذلك يئست الجماهير من إمكانية التفاؤل بخيرٍ يأتيها من النظام لما تراه من رعونة النظام ولا مبالاة المعارضة.

عندما يندلع الصراع بين فئتين كالذي بين معارضتنا والهقدف غالباً ما يكون المراقبون ينظرون الي نتائج الصراع بنواحي القوة والضعف في الجانب المادي فقط، أي يقيسون فوز أيٍّ من الطرفين بعنصر القوة المادية من ضعفه أو عدمه. ولأن من يجني حصاد النضال دائماً هو الشعب فإن ما كان ينظر به الشعب الي نتائج ذلك هو عين ما ينظر به الي حصاده من النضال بين المعارضة والنظام. لكلٍّ من المتصارعين معايير للانتصار في صراعه مع الآخر، فمثلاً وحسب نظرة كل منهما يكون السلاح، حجم العضوية أو الجيش، العون الخارجي، التمويل معايير يقيسون بها قوة أو ضعف طرفٍ ما، الغائب الوحيد في هذه المعايير والذي لم يعط بعد وزنه أو حجمه الطبيعي والحقيقي هو المعيار الفكري، السياسي أو الأيديولوجي الذي يملكه هذا أو ذاك الطرف. هذا بالطبع لا يعني أن المعايير الأخرى وبالذات المعايير المادية من معايير القوة ليست من معايير تقييم قوة أي طرف، بل لها مكانها البارز، لكن تلك العوامل وقوتها وتواجدها بالتأكيد يختلف من مرحلة لأخرىٍ ومن حالة لأخرى. فبالنسبة لحقبة الكفاح المسلح مثلاً من الطبيعي أن يكون الحجم مهماً وبالذات من حيث عدد الجيش وكم ونوع السلاح، أي يأخذ العتاد القتالي مكان العامل الفكري الذي ندعو اليوم الي وضعه في المقدمة. وفي ذات الوقت يجب ألا ننسى أن بقية العوامل والمعايير أيضاً تتدرج حسب أهميتها. لذلك كان المفترض أن نتساءل عشية التحرير الآن ماذا بعد التحرير؟ هل نعطي الأولوية للسلاح والجيش؟ أم للنمو الفكري والثقافي؟ أيُّ اتجاه نشجعه ونرعاه بحيث ينمو ويزدهر وأي عامل نضعه في المرتبة الثانية أو الثالثة؟ إننا ندفع اليوم ثمن عدم تحديد بوصلة الاتجاه الفكري الذي كان يجب أن يسود في مرحلة ما بعد التحرير.

أما في نضالنا الحالي من أجل السلم والديمقراطية فيجب أن نتجه بصورة رئيسية الي وضع العامل الفكري في أول سلم الأولويات. الشعب الارتري خبر الهقدف وقيـَّــمه بدقة، إنه لا يتوقع منه أي تغيير في الفكر أو السلوك. أيضاً سوف يقيـِّـم الشعب عناصر المعارضة حسب اتجاهها الفكري، المعايير الأخرى أيضاً تدخل في تقييم المعارضة لكنها تأخذ المكان الثاني بعد العوامل والمعايير الفكرية. لذلك يجب أن تنتبه قوى المعارضة الي تهذيب وتشذيب نفسها فكرياً وتضع نفسها في الطريق الفكري الصحيح. إن منظور القياس بين قوة ومشروعية أيٍّ من طرفي الصراع، المعارضة والهقدف، يجب ألا يكون أن أحدهما داخل البلاد والآخر خارجها. إن المسافة بينهما يجب أن تقاس فكرياً وليس مترياً، إن ما يتوقعه ويرنو اليه شعبنا بعد سقوط نظام الهقدف ليس وجوهاً جديدة، بل أفكار وعقليات جديدة مختلفة تماماً عما كان سائداً في عهد النظام من عقليات وأفكار.

نحن كتنظيمات نعيش صراعاً وتنافساً بيننا وبين حزب الهقدف الحاكم من جهة وبيننا وبعضنا البعض من الجهة الأخرى، ذلك أن الصراع والتنافس أمران لا ينظر اليهما منفصلين عن بعضهما البعض، وبما أننا في حالة تنافس فمن الطبيعي أن يرى كلٌّ منا أن جانبه أو عامله التنافسي القوي هو العامل الفلاني، نحن من جانبنا نرى أن ما يقوينا ويفيدنا في المستقبل ويكون بذرة صالحة لنمو أفكار تنموية بناءة ليس السلاح وتراكم العتاد الحربي ولا الصداقة مع الأجنبي أو تلقي العون والتمويل منه، بل التفكير الجيد والجديد، والتفكير الجديد يتكون بداخلك بصورة تدريجية ومن خلال عملية نضالية وليس أمراً تحصل عليه بالمساعدة أو التسليف من الآخرين.

إن هزيمة الهقدف وإسقاطه ليست بالعملية المادية العضوية التي نتخلص فيها من النظام ككتلة بشرية مجتمعة أو متفرقة، بل باجتثاث آثاره الفكرية السلبية وسلوكه العملي المستهجن من الجذور. وما لم نجتث أفكار وعقليات النظام من جذورها سوف تعود وتنبت من جديد علي أيدي وكلاء جدد، يختلفون عن النظام السابق مظهراً ويشبهونه جوهراً. بيد أن الاجتثاث نفسه يجب أن يكون بواسطة الأفكار الجديدة وإحلالها مكان الأفكار القديمة لا باجتثاثها بواسطة العنف أو السلاح.

إن تطوير المجهود الفكري عملية واسعة تتم عبر مدىً زمني طويل نسبياً، لكنها في النهاية يجب أن تتوج بقطع دابر كل العوامل المادية والمعنوية المعيقة لعملنا في معسكر المعارضة.

عليه ما لم نجر تغييراً كلياً علي عقليتنا ووعينا السياسي فسوف نغرق في مستنقع النزاع الداخلي الآسن بين مكوناتنا وهذا بدوره سوف يتيح فرصاً جديدة لإطالة عمر الدكتاتورية الجاثمة علي صدر بلادنا.    

Last modified on Sunday, 12 April 2015 22:09