عندما تصبح القوة فوق القانون

2025-04-29 15:19:15 Written by  EPDP Information Office Published in المقالات العربية Read 29 times

                الدولة هي ظاهرة تاريخية اجتماعية في تطور الجماعات البشرية ويكون لها حدود سيادية وإدارية وسياسية في رقعة جغرافية برياً وبحرياً وجوياً و رمزيًا ودبلوماسيًا

إنّ مبدأي القوة والقانون ؛ هما قطبا الرّحَى في تنظيم العلاقات بين الشعب والسلطة وبين الأفراد والهيئات والمؤسسات بل وبين الدول فيما بينها؛ أي أن القانون هو المنظم لمفهوم القوة وبه تُكتَسَبُ الشرعية من عدمها؛ فالسلطة لا يمكن أن تَكتَسِبُ القوة إلا بالقانون،  أما عكس ذلك أي القوة المحضة غير المنظمة بالقانون؛ فالأمر يكون تعسفاً واستبداداً مطلقاً،  فالتُُ من عقالهِ كما هو الحال في وطننا، حيث الحاكم بأمره يكتسب القوة لشخصه من غير أي وازع قانوني.

  في البلدان التي تحكمها حكومات منتخبة وتكون السلطة للشعب،  تكون فرصة سيادة القانون كبيرة،  ولذلك يتمتع جميع أفراد الشعب بحقوق متساوية أمام القانون .

أما في الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية لا تلتزم بسيادة القانون، فنجد  أنها تمارس سلطتها بالقوة والعنف والظلم للبقاء في الحكم.

في ارتريا؛ الدولة حديثة الاستقلال والتي كانت أمامها فرصة نادرة لتكون دولة تحكمها سيادة القانون .  تتسم العلاقة الأساسية في ارتريا بين الحاكم والشعب بالاستبداد ، حيث  نصّب الحاكم  نفسه فوق القانون ، معتمدًا على منطق القوة والبطش بعد أن اختطف السلطة بذريعة الشرعية الثورية منذ فجر الاستقلال  في  عام 1991.

أما القوى السياسية الساعية للتغيير وعامة الشعب الارتري؛  فإنها تسعى إلى كسر هذا الواقع الأليم،  من خلال تأكيد مبدأ سيادة القانون و ضمان خضوع الحكومة ومؤسساتها للمساءلة والمحاسبة.

القانون هو النظام الأساس الذي ينظم العلاقات  والمهام والتطلعات المتنوعة لدى الأفراد والدول، ويحدّد ما يجب فعله وما يجب تجنبه ؛ هو الرادع لكل من يخالفه،  مما يساعد  جميع الجهات ذات المهام والتطلعات المختلفة على التعايش في ظل القانون، بالتعاون والتآزر.

تتمتع جميع دول العالم ذات السيادة،  والتي يصل عددها تقريباً إلى أكثر من ١٩٣ دولة وكيان، حيث تتمتع بالأمن والاطمئنان من خلال الالتزام بالقوانين،  والأعراف الدولية المتفق عليها في إطار ميثاق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، إذ لولا الاحترام والعمل بهذه المواثيق ، لساد عالمنا قانون الغاب وتعرضت الدول الضعيفة لتسلط الدول القوية.

تحتل إريتريا المرتبة 101 عالمياً من حيث المساحة إذ تبلغ مساحتها حوالي 117,600 كيلو متر مربع،  أما من حيث عدد السكان, فتحتل المرتبة 132 عالميا .

هذه المؤشرات تظهر أن هناك العديد من الدول تفوق ارتريا في المساحة والسكان، وأخرى تقل عنها.

ومن أبرز العوامل التي تميز ارتريا هو كفاحها المسلح المرير الذي استمر لمدة 30 عاما من أجل الاستقلال عن اثيوبيا والذي توِّج بتحقيق الاستقلال في 24 مايو 1991، وبهذا أصبحت ارتريا دولة ذات سيادة وعضواً في ألامم المتحدة تتمتع بالحقوق والامتيازات نفسها التي تتمتع بها بقية الدول الاعضاء في المنظمة.

 إن وجود السيادة الوطنية لايرتبط بوجود النظام الحاكم أو غيابه، بل هي قائمة ما دامت ارتريا وشعبها موجودَين، والنضال الذي يخوضه الشعب الارتري وقواه السياسية يهدف إلى الحفاظ على هذه السيادة وتعزيزها من خلال العمل على اقامة حكم ديمقراطي يحترم سيادة القانون ويضمن حقوق المواطنين.

عندما يكون منطق القوة فوق منطق القانون فإن تداعيات ذلك  تكون وخيمة بلا أدنى شك.

نحن الارتريون عانينا كثيرًا، ودفعنا ثمنًا باهظًا نتيجة ممارسات فرض القوة على حساب القانون وابسط دليل على هذه الممارسات هو اختلاق الذرائع للاعتداء على سيادة الآخرين من قبل الدكتاتور الارتري.

نشاهد اليوم  فعل كهذا من قبل روسيا ضد أوكرانيا وكذلك الاحتلال  الاسرائيلي على فلسطين وما يثير الاستغراب هو وقوف النظام الذي عانى شعبه جراء هذه الممارسة إلى جانب الروس !

ومن جانب آخر نرى الدول العظمى التي تعتبر شرطي العالم بتجاوز رئيسها الحالي ترامب القوانين الدولية المنظمة لاستقرار الدول بالإعلان رغبته في الاستحواذ على جزيرة غرينلاند الأمر الذي يمثل تشجيعاً لجعل منطق القوة يعلو على منطق القانون.

وفي ذات السياق، نلاحظ في الآونة الأخيرة  أن الاثيوبيين يرددون على مستويات مختلفة وفي مناسبات عديدة  زعمهم بالأحقية في منفذ بحري ويصرون على أن هذا "الحق" هو حق تاريخي و جغرافي  واجتماعي  متجاهلين بذلك القانون والمنطق.

بدلا من الالتزام بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين ارتريا واثيوبيا منذ عهد الامبراطور منليك الثاني مروراً باتفاقية الجزائر ، نراهم يسلكون طريق التصعيد والتهديد!!

التفكير السلبي القائم على الاستحواذ القسري على منفذ بحري  عمل عدواني؛ ولكن لماذا لا يتم اللجوء إلى قوانين البحار لاسيما اتفاقية 1982 الخاصة بحق الدول الحبيسة في الوصول إلى البحار عبر دول العبور ؟ ففي هذا المسار مسلحة للطرفين، بعيدًا عن الصدام والتوتر.

إن أصرّ الإثيوبيون على استخدام القوة بدلا من القانون  فعليهم أن يتذكروا المثل القائل:

"كما تدين تدان". فمن يعتدي اليوم بالقوة،  ضارباً بالقانون عرض الحائط ، سيواجه نفس المنطق غدًا.

Last modified on Tuesday, 29 April 2025 17:27