‫الرئيسية‬  مقالات  السودان قد يكون على وشك خسارة فرصته التاريخية للانتقال إلى ديمقراطية
مقالات - 26 نوفمبر 2021, 16:27


كانت فرصة تحول السودان إلى نظام ديمقراطي حقيقي منذ بداية شراكة العسكريين والمدنيين في أغسطس 2019 ضئيلة ثمً صارت تتضاءل باستمرار حتى وصلت إلى ما يشبه الانعدام إثر انقلاب 25 أكتوبر ولاحقاً اتفاق رئيس الوزراء مع العسكر والذي أدى إلى تخفيف الضغوط الدولية على الانقلابيين وإلى إرباك بعض القوى المدنية الرافضة للانقلاب.
يبدو أن العسكريين امتلكوا مبكراً استراتيجية واضحة تهدف إلى بناء نظام سياسي يكون تحت وصايتهم الدائمة، تُجرى فيه انتخابات في ظل قوانين يشرفوا على صياغتها وإقرارها وموازيين قوى تميل لصالحهم، نظام يكون منسجماً مع محيطه الإقليمي ومندمجاً في النظام الدولي مما يساعده على الإفلات من العزلة والعقوبات.
سعى العسكر، الذين توفرت لهم عوامل قوة عديدة؛ أدوات القمع، الوحدة الداخلية، المال والدعم الإقليمي، سعوا منذ انقلابهم على البشير للحصول على دعم سياسي داخلي ليتمكنوا من البقاء في السلطة وتنفيذ أجندتهم السياسية المستقبلية. وجد الانقلابيون ثلاثة مصادر رئيسة يمكنهم أن يحصلوا منها على الدعم السياسي؛ بقايا النظام السابق، الإدارة الأهلية والحركات المسلحة.
لم يستغرق الحصول على دعم الإدارة الأهلية وقتاً طويلاً فهي مخزون يستخدمه من يمتلك السلطة. أما بقايا النظام السابق فقد كانت قدرة العسكر في الحصول على دعم سياسي منهم وستظل محدودة بسبب الشكوك بين الطرفين وارتباطات العسكر بالمحور الإقليمي الرافض للإسلام السياسي. حقق العسكر أحد أكبر الاختراقات السياسية من خلال اتفاق جوبا مع بعض الحركات المسلحة فقد حصلوا من خلال الاتفاق على كتلة اكتسبت شرعية محلية ودولية، مشابهة لهم في مرجعيتها وقد يكون لبعضها، إن لم يكن كلها، نفس رعاة العسكر الإقليميين كما ضمنوا اتفاق جوبا حشوات سُميت مسارات زادت من حظوظ الحركات المسلحة وحلفائهم العسكر في السلطة.
لم يكن الانقلاب معني فقط بمنع تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين كما تنص الوثيقة الدستورية لكنه هدف أيضا إلى تحقيق الهيمنة الكلية على مجلس السيادة لضمان تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية بما يخدم العسكر. حاول العسكر في البداية التخلص من الأشخاص الذين كانوا يقفون عثرة أمام هيمنتهم على مجلس السيادة من خلال المناداة بحل الحكومة وتكوين حكومة كفاءات، تشكيل تحالف سياسي ينازع قوى الحرية والتغيير شرعية تمثيل الشارع، خلق اضطرابات اجتماعية، والتشويه والتهديد لخصومهم من المدنيين وعندما فشلت تلك الوسائل لجأوا لاستخدام القوة وأعادوا صياغة موازيين القوة بما يخدم أجندتهم.
بإعادة تشكيل مجلس السيادة بموالين لهم سيكون بمقدور العسكر تكوين المؤسسات التي ستحدد ملامح مرحلة ما بعد الانتقال مثل المجلس التشريعي، مفوضية الانتخابات ومفوضية الدستور، تعيين رئيس القضاء (تم تعيينه) والنائب العام بما يضمن توظيف تلك المؤسسات وهؤلاء الأفراد لصالح استراتيجيتهم في الوصول إلى نظام سياسي مُسيطر عليه من قبلهم.
قصد العسكر من اتفاقهم مع رئيس الوزراء تخفيف الضغوط الداخلية والدولية عليهم. يبدو إنهم عرفوا طبيعة شخصية رئيس الوزراء وفهم الرجل لطبيعة دوره. الذين جاءوا بالدكتور حمدوك لرئاسة الوزارة كانوا يقرأون من نفس كتاب النظام السابق. اعتقد نظام البشير أن سبب مشكلاته الداخلية هو عزلته الدولية فأعلن عن تعيين حمدوك وزيراً للمالية عله ينجح في فك تلك العزلة قبل أن يرفض حمدوك المنصب. لم يكن لدى حمدوك ميزة عندما اُختير وزيراً لمالية النظام السابق ورئيساً لوزراء الفترة الانتقالية سوى علاقاته الدولية التي اكتسبها من عمله لفترة طويلة في المؤسسات الدولية.
عندما قال رئيس الوزراء في تبريره لإبرام الاتفاق مع العسكر أنه أراد المحافظة على الإنجازات الاقتصادية التي تحققت في الفترة الماضية إنما كان يؤكد على نفس رؤية الآخرين للدور المطلوب منه. إذا كان رئيس الوزراء يعتقد أن إنجازاته الاقتصادية ستدخله التاريخ فهو مخطئ. سيتم تقييم دوره في الفترة الانتقالية من خلال ما قدمه لقضية التحول الديمقراطي وإذا استمر في اتفاقه الحالي مع العسكر فستتم الإشارة إليه باعتباره أحد الذين قوضوا الفرصة التاريخية لانتقال السودان لنظام ديمقراطي حقيقي. هذا لا يعفى القوى المدنية الأخرى من مسؤوليتها فهي بالتأكيد أكبر من مسؤولية أي شخص مهما عظم دوره. يفترض في القوى المدنية أن تتحد الآن حول برنامج واضح يسعى لتوفير كل الشروط الضرورية لضمان انتقال البلاد إلى ديمقراطية حقيقية ورفض أية صيغة تعطي العسكر حق الوصاية على الفترة الانتقالية أو تمكنهم من تقويض الانتقال الديمقراطي.
الديمقراطية ليست فقط انتخابات كما يردد العسكر وأنصارهم فهي نظام متكامل لإدارة الدولة. سياسياً تضمن الديمقراطية حق المواطنين في اختيار حكامهم ومحاسبتهم، اقتصادياً توفر ظروف أفضل للنهوض حيث تخضع خطط التنمية والتشريعات المرتبطة بها لسلطة الشعب بما يمنع العشوائية والفساد، اجتماعياً توفر الديمقراطية فرصاً أفضل للتعايش بين مختلف تكوينات البلاد، تضمن توفير التعليم الحديث وفرص النهل من الثقافات المحلية وتطويرها والتفاعل الإيجابي مع الثقافات العالمية. تضمن الديمقراطية الحقيقية احترام حقوق الإنسان وتمنع أية انتهاكات لها وجود قضاء مستقل وإعلام حر، كما إنها ضرورية للاستقرار.
إذا لم يتم تغيير تركيبة مجلس السيادة الحالية من خلال نقل السلطة كلياً للمدنيين أو إحداث نوع من التوافق يعطي المدنيين الغلبة لتشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية ستجد البلاد نفسها في نهاية الفترة الانتقالية تحت نير ديكتاتورية من نوع جديد فتتبدد التضحيات العظيمة التي قدمها نساء وشباب السودان في سبيل التخلص من هيمنة العسكر على السلطة وعلى موارد البلاد.

 

‫الرئيسية‬  مقالات  هل تنجح الجهود الإقليمية والدولية في إنقاذها؟ إثيوبيا على شفا حرب أهلية شاملة
مقالات - 15 نوفمبر 2021, 23:47

مداميك 15 نوفمبر 2021, 23:47

ما أن قالت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي وحليفها جيش تحرير أروميا أنهما يقتربان من أديس أببا حتى أعلنت الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ في البلاد ودعت المسرحين من الجيش للعودة إلى الخدمة وناشدت المواطنين حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم ونفذت حملة اعتقالات واسعة ضد المنتمين للتغراي في العاصمة. تسببت تصريحات المتمردين وإجراءات الحكومة ونداءاتها في حالة ذعر بين المواطنين والبعثات الدبلوماسية في العاصمة الإثيوبية وقد دعت العديد من الدول رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا وعدم السفر إليها.
إلى أين تتجه إثيوبيا؟
تسارعت التطورات العسكرية في إثيوبيا منذ نهاية أكتوبر الماضي مع اقتراب الذكرى الأولى لبداية شن الحرب على إقليم تغراي في الرابع من نوفمبر 2020. أعلن جيش دفاع تغراي عن سيطرته على مدينتين تقعان في إقليم أمهرا وتبعد إحداهما 250 كيلومتر عن العاصمة أديس أببا. وفي 5 نوفمبر أعلنت 9 فصائل إثيوبية من واشنطن تشكيل تحالف هدفه إسقاط حكومة ابي أحمد.
بالنظر إلى سرعة تقدم قوات المعارضة صوب العاصمة يبدو أن وصول هذه القوات إلى هدفها مسألة وقت فقط ما لم يحدث تغير مفاجئ في موازيين القوة لصالح الجانب الحكومي أو يتوصل الطرفان إلى اتفاق وقف إطلاق نار.
زادت التطورات الأخيرة من اهتمام المجتمع الدولي بالصراع الإثيوبي فقد زار إثيوبيا مؤخراً كل من أبا سانغو مبعوث الاتحاد الإفريقي وجيفري فيلتمان مبعوث الولايات المتحدة وأجريا مباحثات مع المسؤولين في أديس أببا كما التقى أبا سانغو رئيس إقليم تغراي ورئيس الجبهة الشعبية لتحرير تغراي دبرصيون مكئيل في عاصمة إقليمه مقلي.
جاء أول مؤشر إيجابي على احتمال نجاح مهمة المبعوثين الإفريقي والأمريكي بقبول تسوية سياسية للنزاع من الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي الذي وضع 3 شروط للتفاوض مع الجبهة الشعبية لتحرير تغراي؛ أن توقف الجبهة هجماتها العسكرية، تنسحب من المناطق التي سيطرت عليها في إقليمي العفر والأمهرا وأن تعترف بشرعية حكومة ابي أحمد.
يعد موقف الحكومة الإثيوبية الأخير تطور مهم فقد سبق أن لها اعتبرت كل من الجبهة الشعبية لتحرير تغراي وحليفها جيش تحرير أورمو منظمة إرهابية بقرار صدر عن البرلمان السابق. وللجبهة الشعبية لتحرير تغراي أيضا شروط للتفاوض مع الحكومة أهمها فك الحصار على إقليم تغراي، فك ميزانية الإقليم وإطلاق سراح المعتقلين والتوقف عن استهداف المنتمين لإقليم تغراي. يمكن للوسطاء تقديم رؤية متوازنة تمكن الأطراف من الدخول في تفاوض سريع ومثمر
اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية يوم 12 نوفمبر عقوبات بحق 4 كيانات إريترية هي جيش الدفاع الإريتري، الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة وهي الحزب الحاكم والوحيد في إريتريا وشركتين تتبعان لهذا الحزب وضد فردين هما أبره كاسا مدير مكتب الأمن الوطني الإريتري وحقوس كشة مسؤول مالية الحزب الحاكم بسبب دور إريتريا في حرب تغراي.
الحكومة الإريترية ليست الطرف الوحيد الذي اُتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في إقليم تغراي لكن يبدو أن الحكومة الأمريكية تمارس ضغوطاً عليها حتى تمنعها من التدخل مجدداً لنجدة ابي احمد هذا من جانب ومن جانب آخر يبدو إنها تريد إيصال رسالة لأطراف النزاع في إثيوبيا بأنها ستفرض عقوبات مماثلة عليها إذا عرقلت التوصل إلى تسوية سياسية للصراع.
دخول الجبهة الشعبية لتحرير تغراي بمفردها أو مع حلفائها إلى العاصمة أديس أببا لا يعني أن بإمكان تلك الأطراف بناء حكومة مستقرة في البلاد فالظروف السياسية والعسكرية الحالية تختلف تماماً عن تلك التي كانت سائدة في 1991 عندما دخلت تلك الجبهة العاصمة أديس أببا مع حلفائها من الإثيوبيين والإرتريين، هذه المرة تسيطر قوات إريترية وقوات من الأمهرا على مناطق يعتبرها التغراي جزءاً من إقليمهم. لقد كانت حرب 1991 ضد جيش حكومي والآن تمتلك أي من قوميات البلاد جيش خاص بها وبعضها يناصب التغراي العداء بسبب مظالم وقعت عليه أثناء فترة حكمهم للبلاد وبين أغلب تلك القوميات نزاعات حول حدودها أقاليمها.
وفي الجانب الآخر هناك تنظيمات مسلحة ترفض برنامج ابي أحمد الذي يهدف إلى إلغاء الفيدرالية وبناء دولة مركزية ولبعض تلك الجماعات عدوات مع الأمهرا الذين يسيطرون على الحكومة الحالية وكانوا يهيمنون على البلاد لمئات السنين.
التسوية السلمية للنزاع في هذه المرحلة تخدم مصالح كل أطراف النزاع الداخلي الإثيوبي فانهيار الدولة الإثيوبية يعني حرب شاملة بين القوميات الإثيوبية حول الأرض والسلطة والهوية.
سينعكس انهيار الدولة الإثيوبية على استقرار منطقة القرن الإفريقي وما جاورها. فعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ سيتضرر السودان أمنياً، اقتصادياً واجتماعياً. ستكون حدوده معبراً للاجئين، السلاح والإرهابيين وستتوقف تجارته الحدودية مع إثيوبيا. ستضرر جيبوتي التي لن تخسر فقط مليار دولاراً أمريكيا تحصل عليها سنوياً كرسوم عبور تجارة إثيوبيا مع العالم الخارجي، بل سيلحق بها ضرر أمني فقد تجد نفسها طرفاً في نزاع داخلي بين العفر والصوماليين وتكون عرضة لعبور إرهابيين محتملين لحدودها.
ستضرر إريتريا من انهيار الدولة الإثيوبية حيث هناك احتمال كبير في نشوب نزاع مسلح مع إقليم تغراي يمكن أن يؤدي باستقرارها كلياً. وسيكون جنوب السودان الذي يعيش وضعاً أمنياً وسياسياً هشا عرضة للكثير من القلاقل وموجات اللجوء. وستجد حركة الشباب الصومالي في انهيار الدولة الإثيوبية فرصة ليس فقط لإحكام قبضتها على الدولة الصومالية إنما أيضاً لمد نشاطها إلى الأراضي الإثيوبية والكينية. حتى مصر التي تبدو بعيدة عن آثار انهيار الدولة الإثيوبية يمكن أن تضرر من استغلال محتمل للأراضي الإثيوبية من قبل إرهابيين لشن هجمات ضدها. كما أن انهيار الدولة الإثيوبية سيعقد وضع سد النهضة ويجعل منه قنبلة في أيدي جماعات مسلحة. وسيكون لانهيار الدولة الإثيوبية تأثير سلبي على أمن التجارة الدولية عبر البحر الأحمر وعلى أمن المملكة العربية السعودية واليمن جراء تدفق موجات من اللاجئين إلى أراضيهما.
تبدو الولايات المتحدة والتي هي المتضرر الدولي الأكبر من انفجار الأوضاع في إثيوبيا، الأكثر قدرة على إيقاف انزلاق إثيوبيا إلى الفوضى إذا استخدمت بفعالية أدوات التأثير التي تمتلكها. المطلوب زيادة الضغوط على أطراف القتال للتوصل لوقف إطلاق نار في أسرع وقت ومنع التغراي وحلفائهم من التقدم تجاه العاصمة وإجبار الحكومة الإثيوبية على التعامل بواقعية مع تطور الأحداث والتوقف عن بث خطاب الكراهية بين مواطنيها والامتناع عن استهداف بعضهم على أساس عرقي والاستجابة سريعاً لدعوات التسوية السلمية للنزاع.

 

الخرطوم 15/ 10 /2021 (سونا) وجه دكتور عبدالله حمدوك خطابا للشعب السوداني مساء اليوم وفيما يلي تورد سونا نص الخطاب

بسم الله الرحمن الرحيم

تحية المجد والخلود لشهداء الثورة السودانية والدعوات الصادقة للجرحى بالشفاء وللمفقودين بالعودة، ولأسرهم جميعاً الصبر والإنصاف.

المواطنون الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وكل عام وأنتم بخير بمناسبة مولد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أعاده الله علينا ونحن بخير وصحة وسلام وسؤدد.

لقد تابعتم الأحداث الأخيرة في البلاد، والأزمة السياسية الحادة التي نعايشها الآن، ولن أبالغ إذا قلت إنها أسوأ وأخطر أزمة تهدد الانتقال، بل وتهدد بلادنا كلها، وتنذر بشرٍ مُستطير.

لقد كان من المفترض أن تتحول المحاولة الانقلابية الفاشلة في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي من مهدد إلى فرصة لتنبيه الجميع للخطر المُحدق ببلادنا، وأن تعتبر جرس الإنذار الذي قرع كي يلتفت الناس إلى مسببات الأزمة ومداخل الشرور، فتلتقي كل الأيادي الحريصة على مصالح البلاد والعباد، لتُقيم سياج أمان للفترة الانتقالية وتقوم بتحصينها ضد كل المخاطر والمغامرات؛ لكن بدلاً من ذلك، كانت تلك المحاولة هي الباب الذي دخلت منه الفتنة، وخرجت كل الخلافات والاتهامات المُخبأة من كل الأطراف من مكمنها، وهكذا نوشك أن نضع مصير بلادنا وشعبنا وثورتنا في مهب الريح.

لقد كانت تجربتنا في الثورة وما بعدها تجربةً فريدةً في كل جوانبها، وجاءت نتائجها محصلة للأمر الواقع وتوازن القوى في أوقات التفاوض، لكنها شكَّلت مصدر إلهام لكثيرٍ من شعوب العالم، خاصة بعد ما حدث لكثير من تجارب الانتقال التي سبقتنا في الإقليم.

لقد دفع شعبنا ثمناً غالياً في هذه الثورة من أرواح ودماء أبنائه وبناته، الذين عطروا ثراه بعطر الشهادة، وقدَّم المصابون والمفقودون تضحيات عظيمة، وكانت رحلة نضال طويلة في المعتقلات والسجون وبيوت الأشباح والمنافي والمهاجر ومعسكرات النزوح واللجوء، ولن نسامح أنفسنا أو يسامحنا التاريخ إن لم نحقق شعاراتها في الحرية والسلام والعدالة، ونصل بالانتقال إلى نهاياته المرجوة.

أبناء وبنات شعبنا الكريم ...

لقد انخرطتُ خلال الفترة الماضية في سلسلة طويلة من اللقاءات والاجتماعات مع كل الأطراف ومن كل مكونات الثورة وأجهزة الانتقال ومؤسسات الدولة بغرض فتح أبواب للحوار وإيجاد القواسم المشتركة بين الأطراف ومعالجة الخلافات. ظللت أفعل ذلك من منطلق الإحساس بالمسؤولية التاريخية والأمانة التي وضعها شعبنا على كاهلنا، أنا وزملائي في مؤسسات السلطة الانتقالية.

وكنت طوال هذه الفترة أؤكد ما أريد تأكيده لكم اليوم؛ هذه الأزمة ليست وليدة اليوم ولم تهبط علينا من السماء ولم تفاجئنا البتة، بل سبق أن تطرقت إليها بالتشخيص المفصل في مبادرة (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال- الطريق إلى الأمام). جوهر هذه الأزمة التي لا يجب أن تضل أبصارنا عن النظر إليه، هو تعذر الاتفاق على مشروع وطني متوافق عليه بين قوى الثورة والتغيير، يحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وآمال شعبنا في الحرية والسلام والعدالة.

هذا التعذر يأتي نسبة لانقسامات عميقة وسط المدنيين ووسط العسكريين وبين المدنيين والعسكريين، لذا فقد ظللت أردد بأن الصراع ليس بين المدنيين والعسكريين، بل هو بين معسكر الانتقال المدني الديمقراطي ومعسكر الانقلاب على الثورة، وهو صراع لست محايداً فيه أو وسيطاً.. موقفي بوضوح وصرامة، هو الانحياز الكامل للانتقال المدني الديمقراطي ولإكمال مهام ثورة ديسمبر المجيدة وتحقيق شعاراتها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

أبناء وبنات شعبنا الكريم ...

كما ذكرت، لقد عقدت خلال الأيام الماضية سلسلة اجتماعات ولقاءات مع مكونات الفترة الانتقالية كافة، وأجريت معهم نقاشات مستفيضة حول ما يجب فعله في مقبل الأيام للخروج بالبلاد من المنعطف الحالي، وتوجيه المسار صوب تحقيق غايات ثورة ديسمبر المجيدة. منهجي الذي اتبعته هو البعد عن شخصنة القضايا وعن هوامشها، والتركيز على القضايا الجوهرية التي يجب التوصل فيها لحلول، تضمن تحصين الانتقال وتصحيح عثراته وتأمين وحدة البلاد وسلامتها وتوفير سُبُل العيش الكريم لشعبها العظيم.

خلصت من هذه النقاشات إلى ضرورة النظر للمستقبل عوضاً عن الغرق في تفاصيل الماضي، وقد تبقى أمامنا عامان فقط للوصول إلى عتبة الانتخابات التي يجب أن نبدأ الإعداد لها فوراً ودون تأخير. خلاصة نقاشاتي مع أطراف الأزمة ألخصها في خارطة طريق تبين خطوات الخروج من الأزمة وتحويلها لفرصة يغتنمها شعبنا بما يعود عليه بالخير والاستقرار والنماء.

ضرورة الوقف الفوري لكافة أشكال التصعيد بين جميع الأطراف والتأمين على أن المخرج الوحيد هو الحوار الجاد والمسؤول حول القضايا التي تقسم قوى الانتقال.

العودة للعمل بجميع مؤسسات الانتقال على أن توضع الخلافات في مواضعها الصحيحة وأن تدار من مواقع أخرى وبأساليب أكثر نضجاً والتزاماً بالمسؤولية وببوصلة واحدة هي مصلحة هذا الشعب واستقراره وتطوره.

الاتفاق على أن قضايا مثل الإرهاب والمهددات القومية الداخلية وعلى الحدود أو من خارج الحدود لا يجب أن تخضع لأي نوع من التكهنات أو المزايدات أو الشكوك في النوايا، فما ضرّ بلاداً أخرى هو عرض قضايا الأمن القومي في سوق مفتوحة للتجاذبات والأغراض العابرة.

الابتعاد عن اتخاذ قرارات وخطوات أحادية، وعدم استغلال مؤسسات وأجهزة الدولة، التي هي ملك لجميع السودانيين، في الصراع السياسي.

مرجعية التوافق بين مكونات السلطة الانتقالية هي الوثيقة الدستورية، وهي مرجعية يجب أن تحترم وتنفذ نصاً وروحاً، ويمكن مناقشة كل المواقف والقضايا استناداً على هذه المرجعية.

التزاماً بالوثيقة الدستورية، فإن تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن هو التزام دستوري، لا بد منه لتفكيك قبضة النظام القديم على أجهزة الدولة وثرواتها، وبالتالي هو هدف لا يجب التراجع عنه، لكن ليس هناك ما يمنع مراجعة طرق ووسائل العمل وضمان حق الاستئناف وتحقيق العدالة.

يجب أن ننهي كل أنواع الشقاق بين مكونات الحرية والتغيير كافة، لتوسيع قاعدة الانتقال، وكي تكون قادرة على استيعاب كل قوى الثورة والتغيير.

تظل العدالة الانتقالية هي الوسيلة الأمثل التي بموجبها تتحقق رغبات الضحايا وأسرهم، دون إغفال الأثمان السياسية والمادية والقانونية التي يجب أن تُدفع في سبيل ذلك.

مبادرة رئيس الوزراء (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال - الطريق إلى الأمام) هي المنصة المتوافق عليها لتحصين الانتقال. وتعمل الآلية بجد لتقديم رؤى محددة في قضايا الانتقال التسع التي حددتها المبادرة.

حصيلة هذه النقاشات ستترجم وتنفذ عبر توافق عريض على مجلس تشريعي واسع التمثيل يعبر عن تعدد وتنوع البلاد وعن قوى الثورة والتغيير، ويمثل حصن الثورة ومرجعيتها، وجسمها الرقابي ومصدر قوانينها وتشريعاتها.

هذه الخطوات سأشرف على تنفيذها مع جميع الأطراف وسأسعى للفراغ منها في وقت وجيز، فبلادنا لا تحتمل مزيداً من الصراعات، وواجبنا أن نعمل جميعاً لتحقيق غايات ثورة ديسمبر المجيدة دون إبطاء.

أيها الشعب الكريم

إن محاولات نشر الأحاديث عن الفشل أو زرع الإحباط لم تعد سلعة تصلح في وقت استقر فيه سعر الصرف، وتوفرت فيه الاحتياجات الضرورية، وانتعشت فيه حركة الإنتاج والصادر.

عانى شعبنا السوداني لعقود طويلة، وغاب عن النهضة الاقتصادية رغم الإمكانيات، اليوم نستطيع أن نؤكد بكل اطمئنان أن المؤشرات الاقتصادية خلال الفترة الماضية في تحسن، ورغم ذلك، نفهم وبوعي كامل، أن الشعب السوداني هو الأقدر على قياس التحولات الإيجابية فهو الذي يطأ الجمر وهو من يحصد ثمار التغيير.

شعبنا الكريم ...

إن قضية شرق السودان قضية عادلة تجد جذورها في عقود الإهمال والتهميش التي تراكمت، فجعلته أفقر بقاع البلاد وهو أغناها موارداً وامكانيات. إن حكومة الفترة الانتقالية تضع على عاتقها مهمة إنهاء هذا التهميش وتنظر له بجدية وعزم.

ظللتُ أعمل باستمرار على طرح منظور شامل للتعاطي مع الأزمة يعلو على تقاسم السلطة ويجيب على أسئلة التنمية الملحة التي تطرحها قضية الشرق، وفي هذا السياق فإنني أؤكد أن اتصالاتنا قد أثمرت الترتيب لمؤتمر عالمي يوفر التمويل اللازم لحزمة مشروعات تخاطب أبعاد التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي عانى منه الإقليم. لذا فإن علينا تجاوز الأزمة الحالية وبداية النظر بمنظور جديد شامل لمعالجة هذه القضية.

إنني أدعو كل قوى الشرق السياسية والاجتماعية لمائدة مستديرة نتوصل فيها لترتيبات عملية للتوافق حول القضايا التي أثارت الأزمة الحالية، كما أدعو أهلنا في الشرق لفتح الميناء والطرق واللجوء لحوار مباشر، حتى لا يتضرر أمن البلاد وقوتها وسيادتها، ولا تزيد من معاناة شعبنا الصابر الكريم.

في الختام فإن رسالتنا لشعبنا أننا متمسكون باستكمال الانتقال المدني الديمقراطي وتسليم البلاد لحكومة منتخبة عبر انتخابات حرة ونزيهة في ظل نظام ديمقراطي، هذه أمانة سنحرص على أن نؤديها على أفضل ما يكون، ولن نفرط فيها ونحن في موقع المسؤولية.

ورسالتنا لكل أطراف السلطة الانتقالية، إن الأوطان لا تبنى بالحزازات الشخصية والانفعالات العابرة، بل تبنى باحترام القوانين والمؤسسية وتقديم التنازلات من أجل خلق أرضيات مشتركة مع الآخرين تمكننا من العمل معاً لبناء الوطن وتحقيق الاستقرار.

ورسالتنا لأنفسنا أن مهمة الحكومة الانتقالية هي تحويل الشعب السوداني من حالة الخوف والهلع والترقب خلال الثلاثين سنة الماضية، إلى حالة السكينة والاطمئنان والدخول في خطط المستقبل بإحساس عميق من الأمان والثقة، وهذا لن يكون إلا بمفارقة الاستبداد مرة واحدة وإلى الأبد والسعي نحو الديمقراطية ومتطلباتها برضا واقتناع.

ولن نتهاون مع أو نستسلم لمحاولات إجهاض الفترة الانتقالية عبر الانقلابات أو الأعمال التخريبية.

نحترم حق الجماهير في التعبير السلمي الديمقراطي، وهو حق انتزعته الجماهير بنضالاتها المتواصلة، ونعمل على حمايته وتأمينه ومناقشة المطالب المطروحة بذهن مفتوح.

نسعى لتوسيع قاعدة المشاركة وأن تتوحد كل قوى الثورة خلف الأهداف المعلنة، وأن تكون بوصلتها هي شعارات وأهداف الثورة، حتى وإن تعددت منابرها.

كما نسعى لمراجعة وتجويد مؤسسات الانتقال لتكون ممثلة لكل السودانيين وقادرة على عكس رغباتهم وطموحاتهم.

نحترم المؤسسة العسكرية والقوات النظامية الأخرى، ونقدر دورها في حماية الوطن والمواطنين، ولا نحملها أوزار المحاولات الانقلابية وأوهام المغامرين.

نعمل مع كل الشركاء ومؤسسات الانتقال لضمان الوصول لجيش قومي موحد بعقيدة عسكرية وطنية. سعينا لإصلاح القطاع الأمني والعسكري أحد أهدافه أن تصبح مؤهلة ومجهزة بالوسائل الحديثة لتأدية مهامها.

نعمل على مراجعة أدائنا وتصحيح أخطائنا، ولا نتوقف عن التعلم من تجربتنا وتجارب الآخرين، فتجربة الانتقال صعبة ومعقدة، وواهم من يظن أنه يملك كل حساباتها ويرسم كل خطواتها بدقة.

نمد يدنا لكل دول وشعوب العالم، خاصة التي دعمت الحكومة الانتقالية وبرامجها، شاكرين لهم الدعم المادي والسياسي والمعنوي، ونؤكد لهم إصرارنا على تحويل رصيد هذا الدعم لمصلحة بلادنا وشعبنا حرية وديمقراطية وأمن واستقرار ينعكس على كل المنطقة والإقليم. كما نؤكد لهم إن الشعب السوداني الذي قام بهذه الثورة العظيمة قادر على اجتياز كل المحن ليخرج منها أكثر قوة ومنعة وثبات.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

عندما شن ابي أحمد وحلفاؤه حربهم على إقليم تغراي في نوفمبر الماضي وارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين خصوصاً النساء والأطفال، وقف المجتمع الدولي بتكويناته المختلفة، المنظمات الدولية المعنية، وسائل الإعلام الدولية، الدول الديمقراطية ومدافعو حقوق الإنسان ضد تلك الانتهاكات وطالبوا بإيقافها ومحاسبة مرتكبيها وكذلك فعلت أغلب تيارات المعارضة الوطنية الإريترية.

الضغوط التي مُورست ضد حكومة ابي احمد لم يكن سببها الرئيس القدرات الدبلوماسية والإعلامية للوياني، فقدرات الحكومة الإثيوبية في المجالين تفوقها كثيراً، كان السبب الرئيس فيها هو طبيعة تلك الحرب الإثنية والأدوات والأساليب التي اُستخدمت فقد أثارت انتباه العالم وتخوفه من حدوث إبادة جماعية وتطهير عرقي لسكان إقليم تغراي.

بعد انتصارها عسكرياً واستردادها السيطرة على جزء كبير من أراضيها، شنت ولا تزال قوات دفاع تغراي هجمات على إقليمي الأمهرا والتغراي وتسببت في نزوح مئات الآلاف من المدنيين من منازلهم وارتكبت انتهاكات ضدهم.

رفض العالم للحرب على إقليم تغراي لا يعني إعطاء قيادة الإقليم الحق في ترويع مدنيين في أقاليم أخرى داخل بلادهم أو التهديد باجتياح بلد آخر. كل المبررات التي قدمها قادة التغراي لمهاجمتهم إقليم العفر غير مقبولة فالإقليم لم يشارك في الحرب ضدهم وحتى لو كان شارك فعمليات الانتقام لن يقبلها أو يقرها القانون الدولي، وإلا ستكون مبررات الديكتاتور أسياس أفورقي في الاشتراك في الحرب ضد إقليم تغراي أيضاً مقبولة.

أنا على قناعة بأن قيادة تغراي تريد الانفصال من إثيوبيا لكنني على قناعة أيضاً أن العائق أمام قيام دولة مستقلة في تغراي ليس فقط مأزق الإقليم الجيوسياسي إنما أيضاً عقلية العزلة لدى قيادته. مثلما أخطأ أسياس بتجاهل الاعتبارات القانونية، السياسية والإنسانية باشتراكه في الحرب على إقليم تغراي هم أيضاً يتجاهلون تلك الاعتبارات عندما يتحدثون أو يحرضون جيشهم ومواطنيهم ضد إريتريا. تحريض موطني التغراي ضد إريتريا لن يجلب لهم أية منفعة، هذا سيحولهم من ضحايا إلى جلادين.

تحتج قيادة تغراي أن جزءاً من أراضيها محتل من قبل الأمهرا. النزاع بين التغراي والأمهرا حول تلك المنطقة نزاع داخلي بينما النزاع بين إريتريا وإثيوبيا حول منطقة بادمي نزاع بين دولتين صدر بخصوصه قرار من جهة دولية مختصة اعتبر المنطقة تابعة لإريتريا لكن قيادة التغراي لا تريد الاعتراف بهذا القرار وفي نفس الوقت تريد الاعتراف لها بتبعية منطقة الولغايت بالاستناد إلى دستور أشرفت هي على صياغته وإقراره.

بدأت الضغوط الدولية لإيقاف الحرب في شمال إثيوبيا تشمل قيادة التغراي وما مطالبة الأمين العام للأم المتحدة بإيقاف إطلاق نار فوري سوى رفض ضمني لشروط التغراي لإيقاف النار. يعرف المجتمع الدولي أنه كما كان بإمكان قيادة التغراي تحريض واستنفار شعبهم عندما تمت مهاجمة الإقليم فإن بإمكان قيادات الأقاليم التي تهاجمها قوات التغراي أيضاً تحريض شعوبهم للدفاع عن أنفسها وهذا سيجعل البلاد في حالة صراعات إثنية وفوضى شاملة.

لقد ارتكب الديكتاتور أفورقي خطأً فادحاً بالمشاركة في حرب التغراي لكن هذا لا يعني إنه سيكون مقبولا لو شنت قيادة التغراي حرباً انتقامية ضد إريتريا. حتى لو تسببت التغراي في انهيار النظام في إريتريا فهذا لا يعني أنه سيكون بمقدورها السيطرة على البلاد أو حتى على أي جزء منها. ستطال الفوضى التي يمكن أن تتسبب فيها حرب ضد إريتريا المنطقة كلها بما في ذلك إقليم التغراي والسودان.

الحرب في إثيوبيا يجب أن تتوقف وعلى المجتمع الدولي ممارسة الضغوط على كل الأطراف للتوصل إلى وقف إطلاق نار فوري ومن ثم تسوية كل المشاكل بشكل سلمي وفي إطار القانون.

‫الرئيسية‬  مقالات  إثيوبيا إلى أين؟! اتساع رقعة الحرب إثنياً وجغرافياً (1)
مقالات - 8 أغسطس 2021

ياسين محمد عبد الله

دخلت الحرب في شمال إثيوبيا مرحلة خطيرة أكثر تهديداً لوحدة البلاد والسلام بين مكوناتها القومية المختلفة. كانت أطراف الحرب الداخلية في النزاع حتى يونيو الماضي هي: الجيش الفيدرالي، الأمهرا والتغراي. لكن اليوم تشارك في القتال تقريباً كل القوميات بعد أن طلب رئيس الوزراء آبي أحمد من الأقاليم الإثيوبية إرسال قوات لقتال قوات دفاع تغراي.

اتسعت الرقعة الجغرافية للحرب بعد أن هاجمت قوات دفاع تغراي إقليمي العفر والأمهرا، وسيطرت على بعض المناطق فيهما. وكثفت قوات متمردة في إقليمي أورموا وبني شنقول هجماتها ضد الجيش الفيدرالي، وهناك تقارير عن استيلاء تلك القوات على بلدات كل في إقليمه، هذا إضافة للنزاعات الإثنية الأخرى مثل تلك التي تجددت بين العفر والصوماليين.

اللاعب الرئيس في القتال الجاري الآن هو قوات دفاع تغراي التي ستكون لأجندتها وقدراتها العسكرية والسياسية الدور الحاسم في تحديد وجهة البلاد. السبب الرئيس المعلن من قبل قيادة التغراي لنقل القتال إلى إقليمي الأمهرا والعفر والذي يبدو أن المجتمع الدولي يأخذ به هو السعي من أجل فك الحصار عن الإقليم وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليه، وإجبار الحكومة على القبول بشروطها للتفاوض على وقف إطلاق النار والاتفاق على مرحلة انتقالية.

كيف ستضغط قوات دفاع تغراي على الحكومة الفيدرالية من خلال مهاجمة إقليمي العفر والأمهرا؟!

هناك ثلاثة منافذ محتملة لإقليم تغراي إلى العالم الخارجي: الأول هو ذاك الذي يتيح للإقليم التواصل مع السودان وهو الوحيد المباشر. المنفذ الثاني هو ذاك الذي يمر عبر إقليم العفر ويربط الإقليم بجيبوتي. أما الثالث فهو الذي يربط الإقليم بأديس أبابا ويمر عبر إقليم الأمهرا.

أعطت الحكومة الفيدرالية وحليفاها أسياس أفورقي ومليشيا الأمهرا أهمية قصوى للمنفذ الأول الذي يربط غرب تغراي بالسودان، عندما بدأوا الحرب في نوفمبر الماضي بالسيطرة عليه، ولم ينسحبوا منه بعد انسحابهم من الإقليم. يبدو هذا المنفذ الأكثر تحصيناً في وجه قوات دفاع تغراي لذا تجنبت هذه القوات مهاجمته مباشرة ولجأت إلى مهاجمة مناطق أخرى في إقليمي أمهرا والعفر.

هذا المنفذ هو الهدف الاستراتيجي للجبهة الشعبية لتحرير تغراي في قتالها الحالي، فهو المنفذ الوحيد إلى العالم الخارجي وتحديداً إلى السودان الذي قد يكون متعاطفاً مع الإقليم لأسباب معلومة، ثم إن المنطقة التي يقع فيها هذا المنفذ تتبع وفقاً للدستور الإثيوبي الحالي لإقليم تغراي، وتُعد من قبل قادة الإقليم أراض محتلة.

هاجمت قوات دفاع تغراي إقليم العفر في محاولة لإغلاق الطريق الذي يربط بين جيبوتي وأديس أبابا، والذي تعتمد عليه الأخيرة في نقل وارداتها وصادراتها من وإلى العالم الخارجي. من شأن إغلاق هذا الطريق أن يتسبب في أزمة اقتصادية في البلاد، ويمكن أن يهدد بإسقاط الحكومة الفيدرالية.

قيل أيضاً في تفسير نقل القتال إلى إقليم العفر إن قوات تغراي تريد التهديد باحتمال التوغل داخل الأراضي الإريترية من خلال إقليم دنكاليا. استولت قوات دفاع على مناطق في إقليم الأمهرا ليست محل نزاع بين الإقليمين، كانت آخر تلك البلدات بلدة ليلاببلا ذات القيمة الدينية والأثرية. غالباً ما يُقصد بهذه الهجمات إجبار قوات الحلفاء الثلاثة على الانسحاب من المنطقة المتنازع عليها.

وضعت حكومة إقليم تغراي في بيان أصدرته في 27 يوليو (5) شروط للجلوس والتفاوض حول وقف إطلاق النار. شملت تلك الشروط إعادة الخدمات الأساسية للإقليم، الإتاحة الفورية لميزانية عامي 2020 و2021 للإقليم، إنشاء معابر متعددة واستخدام كل وسائل المواصلات لإيصال المساعدات الإنسانية لإقليم تغراي، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الذين اُعتقلوا على أساس الهوية، الإيقاف الفوري للاعتقالات الجماعية للتقارو واستهدافهم.

وقد اشترطت حكومة الإقليم أن يتم تطبيق شروطها، وأن يُعلن ذلك من خلال وسائل الإعلام الوطنية والدولية. وإذا عملنا أن البرلمان الفيدرالي كان قد اتخذ قراراً باعتبار الجبهة الشعبية لتحرير تغراي منظمة إرهابية سندرك المصاعب التي تقف أمام التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، بجانب تعقيدات أخرى كثيرة على الأقل على المدى القريب.
نقل القتال إلى إقليمي العفر والأمهرا عمل تكتيكي تسعى الجبهة الشعبية لتحرير تغراي من خلاله لتهيئة الأجواء للحصول على حق تقرير المصير لإقليمها.

لقد برز ميل قوي بين سكان إقليم تغراي وقادته للانفصال عن إثيوبيا وبناء دولة تغراي المستقلة بعد حرب نوفمبر. تعود جذور الميل للانفصال إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ضمنت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي برنامجها هدف الانفصال، لكنها اضطرت بعد فترة قصيرة إلى حذفه نتيجة لضغوط مورست عليها من عدة جهات. حرب نوفمبر واستهداف التقارو على أساس إثني والفظائع التي اُرتكبت ضدهم لم تحي فقط الميل القديم للانفصال بل جعلته أقوى.

هل تحقيق الانفصال وإعلان دولة مستقلة في إقليم تغراي ممكن في ظل الأوضاع الداخلية في إثيوبيا، الأوضاع الإقليمية والدولية والمكانة الجيوسياسية للإقليم وقدراته الاقتصادية؟!

هذا ما سأتناوله لاحقاً.

أطراف الصراع الثلاثة تنتهك حقوق اللاجئين الاريتريين باثيوبيا!

أكد المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إريتريا تلقيه العديد من التأكيد الموثوق بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي ضد اللاجئين الاريترين، منذ بدء النزاع سواء من قبل الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والقوات الاريترية التحالف معها،أو من قبل القوات التابعة لجبهة تحرير شعب تقراي. كما كشف عن إستخدام اللاجئين وإلحاق الاذى بهم من الأطراف الثلاثة بحجة تعاونهم المفترض مع الجانب الآخر للنزاع.

جاء ذلك في بيان اصدره المقرر امس الاحد. وفيه أعرب الدكتور محمد عبد السلام بابكر عن انزعاجه البالغ والشديد من التقارير التي تتحدث عن الهجمات الانتقامية والقتل والعنف الجنسي والضرب ونهب المخيمات والممتلكات. ودعا عبد السلام الايقاف الفوري لهذه الممارسات ضد اللاجئينالاريترين في اثيوبيا. كما دعا عبد السلام كل أطراف الصراع إلى احترام اتفاقية اللاجئين لعام 1951 مشددا على احترام حيادة معسكرات اللاجئين والسماح للجهات الفاعله الإنسانية بنقديم المساعدات المطلوبة بشكل عاجل، مطالبات بنقل تلك المعسكرات لمناطق أكثر امنا.

                   
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
    المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إريتريا -د. محمد عبد السلام بابكر

Harnnet Media - ሓርነት ሚድያ

EPDP Magazines