Print this page

الاستبداد السياسي والتهميش عدوان على الوحدة الوطنية

2014-09-19 08:58:07 Written by  إبراهيم محمد علي Published in المقالات العربية Read 81878 times
Rate this item
(0 votes)

يشهد التاريخ السياسي لبلادنا منذ رحيل الاستعمار الإيطالي إثر هزيمته في الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، بأن أجيالاً من أبناء إرتريا المخلصين لوطنهم قد ناضلوا دون هوادة لعقود في سبيل تقرير مصيرهم وبناء دولتهم الوطنية الحديثة والديمقراطية، غير أن نضالاتهم تلك لم تحقق شيئاً وراحت تضحياتهم هدراً دون تحقيق الهدف المنشود؛ وذلك جراء طموحات الهيمنة والانفراد غير المشروعة لبعض السياسيين الانتهازيين، الذين لم يتورعوا يوماً حتى عن الاستقواء بالأجنبي في مواجهة أبناء وطنهم للوصول إلى مآربهم الدنيئة. ففي مرحلة تقرير المصير الأولى في أربعينات القرن الماضي استجابت قيادة تيار الاندماج للأطماع التوسعية لنظام الإمبراطور هيلي سلاسي، وتحالفت معه واستقوت به ضد التيارات الوطنية الاستقلالية. ومع أنها فشلت في الانتصار لمشروع الاندماج، فقد نجحت في إلحاق إرتريا بإثيوبيا فدرالياً، والذي سرعان ما حولته إثيوبيا إلى احتلال مباشر، فكان الشرارة التي عجلت باندلاع الكفاح المسلح في العام 1961م .

 

وها نحن نشاهد اليوم كيف أن التاريخ يعيد نفسه من خلال طموحات أسياس أفورقي في الهيمنة والانفراد، ورفضه الانتقال بالكيان الإرتري من مستعمرة سابقة إلى بناء دولة وطنية حديثة ديمقراطية؛ أي دولة الدستور والمؤسسات وسيادة القانون، وليست دولة الرجل الواحد التي أقامها على مقاسه الخاص، إشباعاً لطموحاته الجنونية في البقاء جالساً على كرسي الحكم مدى الحياة.

إن الواقع الكارثي الذي آلت إليه أوضاع دولة إرتريا الناشئة، والذي يتحمل مسؤوليته كاملة أسياس أفورقي ومجموعته، قد أصاب الكثيرين، ومن كافة المكونات الوطنية، بالإحباط واليأس وخيبة الأمل وفقدان الثقة بالدولة الوطنية، ما أدى إلى اهتزاز المشاعر الوطنية لدى البعض إلى درجة الحنين إلى ماضي الاحتلال الأجنبي والهروب إليه بحثاً عن مخرج من واقعه المرير، إذ يوجد اليوم من الإرتريين من يعقد مقارنة بين حال البلد بالأمس عندما كانت واقعة تحت نير الاحتلال وبين حالها اليوم في ظل الحكم الوطني بقيادة أسياس افورقي فلا يجد فرقاً بينهما. ولم تقتصر مأساة الوطن المنكوب بحكم الدكتاتورية البغيضة على غياب الدولة العادلة التي تحتضن جميع أبناءها وتليق بتضحيات الشعب الإرتري فحسب، فالوحدة الوطنية التي هي الضمان الوحيد لبقاء الكيان الوطني على قيد الحياة، والتي تحققت بعد مخاض عسير في مواجهة جيش الاحتلال إبان الكفاح المسلح، ومثلت بارقة أمل في أن تشكل نواة لوحدة وطنية أرسخ وأعمق من شأنها بناء دولة حديثة قوية ومزدهرة، قد تعرضت هي أيضاً إلى نكسة وشروخ عميقة عبرت عنها بروز توجهات طائفية سياسية تقسيمية، وأخرى قبلية انفصالية لم يسبق للبلاد أن شهدت لها مثيلاً، وما لم تجد لأسبابها حلولاً وطنية مخلصة، واستمر الحال كما هو عليه، فإنها تشكل تهديداً جدياً بالتفكك والانهيار للكيان الإرتري الهش أصلاً. ونذكر من هذه التوجهات الآتي:

1-                      بروز حركات الإسلام السياسي الجهادية التي تتهم أسياس ونظامه بالانحياز لطائفته على حساب المسلمين، وتهميش دورهم في الشأن الوطني العام، وتدعو إلى نظام سياسي طائفي بديل يقوم على توازن المصالح بين المسلمين والمسيحيين.

2-                      نشوء حركات قبائلية سياسية  كحركة قرنليوس عثمان باسم الكوناما، وحركة إبراهيم هارون باسم العفر، واللتان تتهمان نظام أسياس بالانحياز إلى قومية التقرينية، وتهميش القوميات الأخرى، وتطالبان بالانفصال تحت شعار حق تقرير المصير.

3-                      ويوجد اليوم بين المسلمين وبعد تجربة الحكم الوطني الفاشلة، من يتمنى لو أن عقارب الزمن تعود إلى الوراء ويعود معها مشروع التقسيم البريطاني الذي كان مطروحاً في فترة تقرير المصير الأولى كأحد الحلول للقضية الارترية. والذي كان يهدف إلى تقسيم الكيان الإرتري على أساس ديني يتم بموجبه منح الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة، وخاصة الشمالية والغربية المحاذية للسودان، إلى السودان، وضم الأقاليم الأخرى إلى أثيوبيا بحجة ضمان منفذ بحري لها. وقد سقط مشروع التقسيم جراء رفض القوى السياسية له آنذاك التي تمسكت بوحدة الكيان الإرتري أرضاً وشعباً ومصيراً.

4-                      صدر مؤخراً بيان يحمل أسماء بعض الشباب المغتربين بالغرب يدعو مجتمعات المنخفضات إلى التوحد في مواجهة سياسات الظلم والتهميش التي يمارسها نظام أسياس أفورقي ضد الإقليم حسب البيان، وإن كان بيان المنخفضات يتميز عن غيره بروح إيجابية تجاه الوحدة الوطنية؛ كونه لا يدعو إلى تقسيم طائفي أو إلى الانفصال، ولا يتضمن أي عبارات أو إشارات تسيء أو تهدد الوحدة الوطنية، ولا يستهدف أي مكون وطني آخر بحسب ما ورد في إحدى فقرات البيان.

أما المطالبة بالديمقراطية والعدالة والشراكة الوطنية ورفع الظلم تحت أي عنوان جاءت، فإنها تبقى مطالب عادلة مستحقة، ولا تعني بأي حال من الأحوال إساءة وتهديداً للوحدة الوطنية أو خيانة وطنية.

وعلى أية حال فإن المسؤول أولاً وأخيراً عن بروز مثل هذه الظواهر على الساحة الوطنية، ويهدد الوحدة الوطنية هو الحاكم الذي يرفض الشراكة الوطنية، ويصر على احتكار القرار الوطني وحده دون سواه.

 

إبراهيم محمد علي

17

Last modified on Monday, 22 September 2014 03:57