المكان أم الأجندة؟

2015-12-17 09:35:35 Written by  اعلام حزب الشعب الديمقراطي الارتري Published in EPDP Editorial Read 2221 times

في الأمثال الشعبية يقولون: (من اللقاء ينطلق الحوار ومن الحوار ينبثق الحل لأية مشكلة تتم مناقشتها علي مائدة الحوار)، وفي السياسة كما في كل المجالات من الطبيعي أن تتباين الآراء حيناً وتلتقي حيناً، لكن ليس كل خلاف في الرأي يؤدي بالضرورة الي الفراق والشقاق، إذ يمكن أن يتعايش الفرقاء مستندين الي ما يجمع بينهم ومتحاورين حول ما يفرقهم من وجهات النظر، وخلال مسيرة التلاقي والحوار تتقلص الفجوة بين الآراء وتذوب معظم الفوارق. كلا الفريقين يدركان عبر الزمان عبثية بعض نقاط خلافهما وموضوعية بعض النقاط مما عند كلٍّ منهما.  

 

اللقاءات أو الاجتماعات تعقد لوضع الأمور العالقة في نصابها ومن ثم الوصول الي تحديد نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف، ليستخلص من تلك النقاط الرأي المعبر عن المشترك بين المتحاورين لنرسم من ذلك السياسة المشتركة، ذلك أنه ليس هناك خيار صحيح بنسبة 100% ولا خيار خاطئ بذات النسبة، بل يتم انتقاء الموضوعي والصحيح من أجندة المناقشة من خلال مناقشة المطروح من الخيارات. إلا أن من عيوب المناقشات لرسم الخيارات الصحيحة المشتركة التمسك بالخيار الشخصي للفرد أو الجماعة واعتباره منزهاً غير خاطئ البتة واعتبار خيار الآخر محض خطأ لا يمكن قبوله أبداً ومن ثم الوصول الي طريق مسدود.

 

عند الدعوة أو التداعي لأي لقاء يتم الاتفاق علي تحديد الآتي: مكان وزمان الاجتماع، الجهات المدعوة، موضوع اللقاء والهدف الرئيس لانعقاده، أي المطلوب الوصول اليه من خلال الاجتماع. أما مهمة إيضاح وتحديد هذه العناصر فمن نصيب الجهة الداعية للاجتماع. وبالطبع لصاحب الدعوة وجهة نظره التي يحدد من خلالها عناصر الاجتماع من حيث المكان والزمان والجهات المدعوة وموضوع اللقاء والهدف منه. تقديرات الجهة الداعية في تحديد تلك العوامل قد تتفق أو تختلف جزئياً أو كلياً مع تقديرات الجهات المدعوة، لكن مع كل تحفظاتهم ليس من حق المدعوين رفض الدعوة أو التدخل في تحديد عواملها أو أجندتها، عليهم أن ينظروا للأمر برؤية الجهة الداعية وليس المدعوة.

 

خلال الأسابيع القليلة الماضية انعقد بكلٍّ من فرانكفورت – ألمانيا – ونيروبي – كينيا لقاءان يتعلقان بمناقشة الوضع السياسي الارتري الراهن، مادة اللقاءين وإن كانت واحدة تتمثل في تفحص الوضع الارتري ودراسة المخارج من أزماته، إلا أن اللقاءين اختلفا زماناً، مكاناً، مدعوين وأصحاب دعوة. بالطبع كان من المفروغ منه أن يخضع اللقاءان للمناقشة بل والتـَّــأوُّلات قبل الانعقاد وبعده، من قبل المشاركين فيهما وغير المشاركين، لكن الكل يتوقع أن تتناول المناقشات لب الموضوع لا قشوره وجوانبه التكنيكية، أي أننا نتوقع أن ينصب الحديث في مدى تلبية الاجتماعات وأجندتها الموضوع الرئيس الذي عقدت فيهما الآمال بمناقشته وإيجاد الحلول والمخارج له.

 

أما أن تتجاهل موضوع اللقاءات الجدير بالمناقشة في أي مكان وزمان وتدبج التحليلات المطولة والممجوجة عن الاعتراض علي مكان الاجتماع (المانيا، كينيا) فلم يكن بالأمر المستحق لكل تلك الجهود والطاقات العلمية والأدبية المهدرة، وإذا تساءلت: ما عذر هؤلاء في الاعتراض علي المكان؟ فلن يجيبك أحد. وإذا أجابك أحدهم عن الأسباب فلن تجد سوى إجابات هلامية معممة، لكن من باب التحجج قد يطرح البعض الهاجس الأمني في الاعتراض علي مكان اللقاء الأخير، أي نيروبي، لكن عندما يأتي مثل هذا الاعتراض من قبل من يقيمون من قمة القيادة الي أسفل قواعد العضوية بأماكن ومواقع تسرح وتمرح فيها طغمة الهقدف كيف شاءت، تدرك تماماً أن الأمر مجرد اعتراض تعلــُّــلِي للتشويش والشغب علي إنجازات اللقاءين.

 

علي مرِّ الزمان ظل المشكل السياسي الارتري يناقـَــش في عدة أماكن إقليمية ودولية، في امريكا، أوربا، الشرق الأوسط وأصقاع مختلفة من إفريقيا. وإثيوبيا تحديداً شهدت عدداً ضخماً من لقاءات المعارضة الارترية خاصةً في السنوات القليلة التي أعقبت الاستقلال، توزعت هذه اللقاءات في المدن والمواقع التالية: أديس أبابا، دبر زيت، أقاقي، أواسا، غوندر، مقلي، عدي قرات وشري، علماً أن العلاقات الأزلية والإستراتيجية بيننا وبين الشقيقة اثيوبيا كانت وستظل قائمةً يتخللها التأثـُّــر والتأثير. لذلك فإن انعقاد هذه اللقاءات خارج اثيوبيا لا يقدح في الدور الاثيوبي الايجابي تجاه الشعب الارتري سياسياً ومدنياً وإنسانياً، وخلال الأيام القليلة الماضية كان أحد قادة منظمة (مدرخ) التي نظمت ورشة نيروبي الارترية التشاورية في زيارة الي اثيوبيا عقد خلالها عدة لقاءات تتعلق بالشأن الارتري، مما يعكس تعاطف اثيوبيا العميق مع قضايانا، وما عقدنا اللقاء الحالي في كينيا جارة اثيوبيا اللصيقة إلا مكسب اقليمي آخر لقضيتنا ضم الينا دولة اقليمية أخرى تتعاطف معنا. لذا ليس من الحكمة الاعتراض علي لقائنا بكينيا لمجرد أنها جارة لا نلتقي معها بحدود برية مباشرة مثل اثيوبيا، السودان، جيبوتي.

 

في اعتقادنا لا يهم أين التقينا، في فرانكفورت، نيروبي، أديس أبابا أو الخرطوم، إنما المهم ماذا حققنا من إنجاز، البعض أيضاً قد يعد من إيجابيات ملتقانا هذا أنه عقد خارج اثيوبيا، هذا أيضاً رأي خاطئ، لذا بغض النظر عن مكان وزمان وحضور اللقاء يجدر بنا أن نعالج أخطاءنا ونجري التغيير في عقلياتنا التقليدية، أما نجاح اللقاء فلا تحدده أمزجة وتأويلات المدعوين بل الجهة الداعية هي التي تحدد نجاح أو فشل دعوتها في بلوغ الأهداف المرجوة منها.

أضف الي ذلك أ

ن حضور الملتقيين – فرانكفورت ونيروبي – لم يأتوا من العدم ولم ينزلوا من الفضاء، بل هم من مكونات المعارضة الارترية المنتمين الي خلفية مدرستي النضال الارتري – الجبهة والشعبية – ولكلٍّ من هؤلاء المشاركين في تلك الملتقيات دوره السلبي والإيجابي في مسيرة المعارضة الارترية، وإدانة هؤلاء لمجرد ضعفهم بأنهم لم ولن ينتصروا أو أن الفشل حليفهم الدائم أيضاً رأي خاطئ للغاية، هذا فضلاً عن أن النصر أو الإنجاز ليس بالسهل المنال، إنه أمر يتطلب النضال والمعاناة في الدروب الوعرة والمنعطفات الخطِـرة.

 

لننظر أننا بغض النظر عن مكان الاجتماع أنجزنا فيه التفاهمات التالية: (الحرص علي سيادة ارتريا الوطنية ووحدة أراضيها، العمل علي توحيد أهداف دعاة الديمقراطية والتغيير، استبدال النظام الدكتاتوري بنظام ديمقراطي، الإعداد لانتقال سلمي وسلس للسلطة)، ومن تفاهمات ملتقى فرانكفورت: (العمل سوياً علي تحقيق الديمقراطية والتغيير، العمل للحصول علي حل سلمي لقضايانا، التأكيد علي مبدأ حكم القانون والانتقال القانوني للسلطة، فصل الدين عن الدولة مع ضمان الدولة لحرية المعتقدات الدينية، بناء العلاقة مع دول الجوار علي أساس الاحترام لسيادة ارتريا ووحدة أراضيها، اعتبار اللغتين العربية والتجرينية لغتي تعامل للدولة مع ضمان مساواة سائر اللغات الارترية، اعتماد الحكم اللا مركزي)، إذاً ينتقل الكلام الآن الي ما إذا كان أحدنا معترضاً علي تلك التفاهمات، أم فقط يعترض علي مكان وزمان تلك التفاهمات!! إذاً فلننظر الي الأمام ونحقق تلك المطامح، لا أن نتشاءم وننظر الي الوراء ونبكي علي أطلال الأمكنة والأزمنة، لنعمل علي هزيمة السياسات غير المسئولة للهقدف واستبدال قيمه الكارثية بقيم العدالة والديمقراطية والحداثة والمواكبة.    

Last modified on Thursday, 17 December 2015 10:44